ثم إن متن هذا الخبر ظاهر النكارة ، إذ قد ذكر أصحاب التواريخ أنه لم يكن لأبي بكر ثروة سالفة ولا رئاسة متقدمة ، ولا لأبيه ولا جده ، وكان في الجاهلية يعلم الناس ويأخذ الأجرة على تعليمه ، ثم صار في الإسلام خياطا ، وليس هذا صنيع الموسرين ، وكان أبوه شديد الفقر والمسكنة ، حتى أنه كان يؤجر نفسه للناس في أمور خسيسة ! فكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان ويطرد عنها الذبان [53] بأجر طفيف ، وفي ذلك يقول أمية ابن أبي الصلت في مرثية ابن جدعان : له داع بمكة مشمعل * وأخر فوق دارته ينادي إلى ردح من الشيزى ملاء * لباب البر يلبك بالشهاد [54] فمن أين انتقل الغنى إلى أبي بكر ؟ ! ومن أين اجتمع له ذلك المال ؟ ! ولو كان غنيا لكفى أباه آكل الذبان ! [55] وحسبك في معرفة ضيق عيش أبي بكر وصاحبه ما أخرجه مسلم في صحيحه [56] عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ قالا :
[53] شرح نهج البلاغة 13 / 275 . [54] تاج العروس من جواهر القاموس 5 / 296 . [55] كأن أبا قحافة كان مشهورا بذلك ، فقد أخرج الدولابي في الكنى والأسماء 1 / 202 أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أطعمني من عنب جنتك ؟ وأبو بكر جالس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال أبو بكر : حرمها الله الكافرين ، فقال أبو طالب : فلأبي قحافة آكل الذبان تدخرها ؟ ! انتهى . وقال السيد الحميري رحمه الله : أترى صهاكا وابنها وابن ابنها * وأبا قحافة آكل الذبان كانوا يرون ، وفي الأمور عجائب * يأتي بهن تصرف الأزمان أن الخلافة في ذؤابة هاشم * فيهم تصير وهيبة السلطان [56] صحيح مسلم - كتاب الأشربة - باب جواز استتباعه غيره . . . إلى آخره .