فقلت : من أين القلم ؟ قال : سبابتك ، فقلت : من أين المداد ؟ فقال : ريقك ، ثم أملي علي جميع ما فعلته في دار الدنيا ( من أول عمري إلى آخره ) فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ، ثم تلى علي : ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [1] . ثم إنه أخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي ، فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا قد طوقها [2] في عنقي ، فقلت له : يا منبه ! ولم تفعل بي هكذا ؟ قال : ألم تسمع قول ربك : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [3] ، فهذا ( ما ) تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشورا لتشهد به [4] على نفسك ، ثم انصرف عني [5] ، فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحش شخص ، وبيده عمود من الحديد ، لو اجتمعت عليه الثقلان [6] ما حركوه ( من ثقله ) ، فراعني وأفزعني وهددني فجذبني بلحيتي [7] ( وأجلسني ) ، ثم إنه صاح بي صيحة لو سمعتها [8] أهل الأرض لماتوا جميعا ، ثم قال لي : يا عبد الله ! أخبرني من ربك ومن نبيك وما دينك وما كنت عليه ( 8 ) ( وما قولك ) في دار الدنيا ؟ فاعتقل لساني من فزعه وتحيرت في أمري وما أدري ما أقول ، وليس في جسمي عضو إلا فارقني من الفزع وانقطعت أعضائي وأوصالي من الخوف ، فأتتني رحمة من ربي فأمسك
[1] الكهف : 49 . [2] في المصدر : طوقوها . [3] الإسراء : 13 - 14 . [4] في المصدر : تشهد فيه . [5] فبقيت أبكي على نفسي على حسرة الدنيا وأقول يا ليتني عملت خيرا حتى لا يكتب علي شر ، فبينا أنا كذلك وإذا أنا بملك منكر أعظم منظرا وأهول شخصا ما رأيته في الدنيا ومعه عمود من الحديد ( ن خ ) . [6] في المصدر : أهل الثقلين ، أقول : في الأصل : أهل الدنيا ( ن خ ) . [7] في المصدر : فروعني وأزعجني وهددني ، ثم إنه قبض بلحيتي . [8] في المصدر : سمعها ، من ربك وما دينك ومن نبيك وما أنت عليه .