يا أمة كفرت وفي أفواهها * القرآن فيه صلاحها ورشادها أعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم أعوادها وثالثا : إن التشيع لم يكن كما ذكرته لك فيما سلف حادثا ، والإمامية لم تفارق كتاب ربها وذرية نبيها ، فلينظر ذو البصيرة والدين أبفعلهم فسد الدين أم بفعل الناصبين ؟ ورابعا : بالمنع من قيام الساعة على فساد الدين بل على إصلاحه لإجماع المسلمين على قوله عليه السلام : ( يملأها عدلا كما ملئت جورا ) . قال المخالف : أفسدتم الدين بسب الصحب الصالحين [1] ، أجبنا :
[1] أقول : وأما الأخبار الواردة في ( الصحاح الستة ) وغيرها مما ورد في شأن طوائف كثيرة من الصحابة ، بحيث يظهر من الأحاديث كثرتهم وكثافة جمعهم - أما هذه الأخبار - فنقول : إن كان أهل الحديث والسلفية ملتزمين بالأحاديث وبالصحاح لا سيما ( صحيح البخاري ) - كما يدعون - فليقولوا - والعياذ بالله - حسب أصلهم بكفر هؤلاء الصحابة ، وارتدادهم بعد رسول الله ( ص ) ، وأنه لن ينجو منهم إلا مثل همل النعم . . وليس لهؤلاء أن يتعرضوا على من يقول بمضمون ما ورد في صحاحهم ، فضلا عن الشاكين في عدالتهم ، وهم الشيعة على ما نسبه إليهم المخالف من الشك في عدالتهم - بل هم - أعني أهل الحديث - مؤخذون على عدم أخذهم بما تضمنته صحاحهم ! ! وعلى عدم جعل ذلك من عقائدهم بعد أن ورد ذلك في الصحاح بطرق متعددة ، وأسانيد مختلفة . . . وأقبح من ذلك كله - في التحكم وفرض الرأي بلا دليل ، بل مع وجود الدليل القاطع على خلافه - اعتراض المخالف - على الشيعة ، وتشنيعه على الشيعة لشكهم في عدالة الصحابة ، فهم يؤاخذون الشيعة على شكهم ، ويجعلون ذلك منهم عظيمة من العظائم وجريمة من أكبر الجرائم . . . . بينما هم بصحاحهم تلك يعلمون الناس كفر الصحابة ، ويعلنون ارتدادهم ! ! وذلك نظير إيراد روايات تحريف القرآن في صحاحهم وكتبهم ، ثم يرمون الشيعة بالقول بذلك ، والشيعة من ذلك براء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى . أوليس الشيعة على حق في شكهم حينما يظهر رسول الله ( ص ) الشك في مثل أبي بكر بن أبي قحافة ، فكيف بمن هو دونه ، كما روى مالك في ( الموطأ ) : ج 1 ص 307 ، ومغازي الواقدي : ج 1 ص 310 : أن رسول الله ( ص ) قال لشهداء أحد : ( هؤلاء أشهد عليهم ) أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح ، والسلامة من الذنوب الموبقات ، ومن التبديل والتغيير والمنافسة في الدنيا ، ونحو ذلك ( كذا فسره السيوطي ، نقلا عن ابن عبد البر ) . فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول الله إخوانهم ؟ أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ! فقال يا رسول الله ( ص ) : ( بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ) ؟ ! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال : إننا لكائنون بعدك ؟ ! وبعد هذا . . . . فإن المتقين المعين في قوله ( ص ) ( ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ) هو ذلك الذي خوطب بهذا الكلام . وعلى كل حال . . فإن من الأخبار المشار إليها حول عدالة الصحابة . . ما رواه أحمد بن حنبل في ( مسنده ) : ج 6 ص 297 عن أم سلمة أنه ( ص ) قال : أيها الناس ! بينما أنا على الحوض جئ بكم زمرا ، فتفرقت بكم الطرق ، فناديتكم ألا هلموا إلى الطريق فناداني مناد من بعد فقال : إنهم قد بدلوا بعدك ، فقلت : ألا سحقا ألا سحقا ) . وروى البخاري في ( صحيحه ) : ج 8 ص 150 - 151 ، وفي ( الجمع بين الصحيحين ) : الحديث رقم 267 عن أبي هريرة قال : ( بينما أنا قائم ، إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : فقال : هلم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة ( فذكر فيهم مثل الأولى ) فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) . وفي ( صحيح البخاري ) : ج 8 ص 148 - 149 ، ( ومسند أحمد ) ج 5 ص 388 و 393 عن حذيفة ، أن رسول الله ( ص ) قال : ( ليردن على الحوض أقوام ، فيختلجون دوني ، فأقول : رب أصحابي ، رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) . ومن الواضح : إن هذه الكلمات لا تنطبق على عدة قليلة فقط ، وليس المقصود بها من آمن بالنبي ( ص ) ورآه ثم سكن خارج المدينة المنورة ولم يعاشر النبي ( ص ) إذ لا يقال لمثل هؤلاء : ( الصاحب ) ولا ( الأصحاب ) وإن كان أصحاب الجرح والتعديل وقد توسعوا كثيرا في مفهوم الصحابي . . . ولعلهم إنما تكلفوا التوسع في معنى هذا اللفظ ، من أجل أن يصير أولئك الصحابة ، الذين قال النبي ( ص ) فيهم : ( إنهم يرتدون على أعقابهم القهقرى ) هم خصوص أصحاب الردة . من أجل أن يخلص لهم الصحابة الحقيقيون جميعا . . . وبعبارة أخرى : إذا كان لفظ ( صحابي ) يشمل كل من رأى النبي ( ص ) فيكون الذين قال عنهم النبي ( ص ) إنهم يرتدون بعده هم خصوص أهل الردة ، لأنهم فيهم صحابة رأوا النبي ( ص ) ثم ارتدوا - على زعمهم - وأما غير أهل الردة فكلهم صحابة أخيار لا تشملهم هذه الكلمات . . . وبذلك يفسح المجال لتعديل معاوية وأضرابه . ولكن هذا تكلف واضح ، فإن المرتدين على خلافة أبي بكر - على زعمهم - أشخاص وطوائف من غير الصحابة ، والأخبار تفيد أن زمرا وطوائف كثيرة جدا من الصحابة سوف يرتدون ، وأيضا فإن إطلاق كلمة ( الصحابي ) على من رأى النبي ( ص ) ولو من بعيد تكلف واضح في اللفظ ، وإخراج له عن معناه . وعلى كل حال . . . فإن الروايات في موضوع عدالة الصحابة ، وما يصيرون إليه بعد النبي ( ص ) كثيرة مستفيضة ، بل قال بعضهم : إنها متواترة فليراجع ( صحيح البخاري ) وغيره . ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك غفور رحيم ) .