بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك فرأيت رسول الله ( ص ) يشرق وجهه لذلك وسره وأعجبه . وروى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) مرفوعا إلى بريدة قال : قال رسول الله ( ص ) : ( إن الله يحب من أصحابي أربعة أخبرني أنه يحبهم وأمرني أن أحبهم ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : ( إن عليا منهم وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي ) . وقال العلامة - رحمه الله - في ( الخلاصة ) : كان المقداد ثاني الأربعة عظيم القدر شريف المنزلة جليلا من خواص علي عليه السلام . وأخرج الكشي ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قال أبو جعفر ( ع ) : ( ارتد الناس إلا ثلاثة نفر : سلمان وأبو ذر والمقداد ) ، قال : فقلت فعمار ؟ قال ( قد كان حاص حيصة ثم رجع ) [1]
[1] رجال الكشي : ص 8 ، أقول : رمى دعاة السوء ورواة الأكاذيب عمارا بالريب والشك والعدول عن الصراط السوي ( يوم الفتنة الأولى ) غير أن الشهادة بصفين غسلت ذلك الدرن ونسبوا القول إلى الإمام الباقر ( ع ) : ( أنه حاص حيصة ) . ولا غرابة في ذلك بعد أن أعلمنا التاريخ جهد معاوية في الوقيعة برجالات الشيعة وبذله الأموال للحط من مقدارهم ومقامهم الرفيع لتنفر الناس عنهم فلا يقبلوا لهم حديثا في فضل أمير المؤمنين وولده عليهم السلام . وإن العجب لا ينقضي ممن يؤمن بهذا الافتعال ويذعن بقول النبي ( ص ) : ( عمار مع الحق وقد ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ) . ثم يتشدق في الوقيعة برجل الإيمان والعقيدة الصادقة . وأقبح من هذا الاعتذار عنه بأنه غسلها بالشهادة بصفين ومتى صدرت منه هذه الزلة حتى يعتذر له بذلك . على أن الحديث نفسه كما رمي عمارا بهذه الشائنة حط من أخويه سلمان وأبي ذر ( رضي الله عنهم ) حيث أثبت في قلب سلمان شيئا وأن أبا ذر خالف أمر أمير المؤمنين بالسكوت . وفي ( البحار ) : ج 8 ص 51 عن ( الإختصاص ) للشيخ المفيد في خبر أن سلمان الفارسي كان من إلى ارتفاع النهار وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر فعاقبهما الله بأن وجئت عنق سلمان وحمل أبو ذر على قتب ونفي عن حرم الرسول ( ص ) ولكن من الواضح الجلي أن تلك النسبة إلى عمار وأخويه كاذبة أرادوا بها الحط من هؤلاء الأوتاد الذين جاهروا بالإنكار على من اغتصب الخلافة الإلهية الكبرى . كيف وقد بلغ حواري النبي ( ص ) الغابة القصوى تجاه أمام كل عثرة في سبيل الدين وضحوا دونه النفس والنفيس . على أن رجال هذه الأخبار الحاملة للحط من عمار وأخويه مجهولون فلا يعبأ بمروياتهم ولكن أين من يفقه النكاة الدقيقة ليعرف ما أراده أعداء الدين من تشويه مقام هؤلاء الرجال وأنهم كيف يدسون السم في العسل . وإلى أمثال هذه الروايات يشير الإمام الباقر ( ع ) كما في ( شرح النهج الحديدي ) : ج 3 ص 15 فيقول : ( إن الرجل قد يكون من أهل الخير وهو ورع صدوق فيحدث بأحاديث عجيبة من تفضيل السلف وغيره ولم يخلق الله شيئا منها ) . إذا فمن واجب الباحث التريث فيما رووه من مقادير الرجال لئلا يتورط في مس الكرامات فيعوزه العذر يوم الحساب أو يندم ( ولات حين مندم ) .