وروى حذيفة عن رسول الله أنه قال له : " اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام " ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل . فلو كان الإسلام ينهى عن الكتابة فما هذه المواقف عن الله ورسوله فيها ؟ ولو صح النهي عن تدوين الحديث وكان المنع نبويا فلم دون الخليفة أبو بكر أحاديثه الخمسمائة ؟ ! ولم جمع عمر الصحابة عنده واستشارهم ، وكيف بهم يشيرون عليه بالكتابة ؟ ! ألم تدل كل هذه المواقف عن تخلف هؤلاء عن أوامر الله ورسوله ! ولو صح النهي عن رسول الله فلم لا يجعل الشيخان هذا دليلا في المنع ؟ فترى كل واحد منهما يأتي بتعليل يختلف عن الآخر ، ألم يعلم الشيخان وغيرهما أن النبي كان يبعث أعيان الصحابة معلمين ومنذرين وكان يأمر بعضهم بالكتابة ؟ نعم ، إن عرب الجزيرة كانوا بعيدين عن الكتابة ، وصرح سبحانه بذلك بقوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ( 1 ) ، وجاء عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا " ، وقال ابن قتيبة : كان الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان ، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي . وجاء في المعجم الصغير ومجمع الزوائد : أن رسول الله أرسل إلى قبيلة بكر بن وائل برسالة فلم يجدوا فيها قارئا ، فأرسلوه إلى رجل من بني صبعة ليقرأها ، فهم يسمون بني الكاتب لوجود من كان قد قرأ الكتاب عندهم . فمما يحتمل في الأمر أن يكون الخليفة قد استغل هذا الوضع الجاهلي عند