أذكر إلا أنني التقيت بالأستاذ الصديق مرات كثيرة . . ولكن كم هي ؟ ومتى وأين هي ؟ وما الأحاديث التي جرت بيني وبينه في كل لقاء ؟ وذلك ما لم أعد أذكر منه إلا ظلالا أو شبه ظلال ، حتى إذا كان هذا اليوم الذي أيقظني فيه الأستاذ الصديق من تلك الغفلة ، حين قدم إلي هذا الكتاب ، وأطلعني منه على ما ضمت عليه صفحاته من تراجم لبعض أصدقائه الذين عرفهم في مصر ، كما أطلعني على الترجمة الخاصة بي ، وقد أخذني العجب والدهش ، إذا رأيته يأتي بتفاصيل لأحاديثي عابرة بيننا ، ويذكر زمانها ومكانها ، وكأنها بنت ساعتها ، حتى لقد سألت الأخ " مرتضى " في صدق وجد . أكانت معك آلة مسجلة كنت تديرها سرا في كل لقاء تم بيننا ؟ فقال في صدق وجد أيضا : وكيف هذا ؟ وهل رأيتني أحمل معي تلك الآلة المسجلة التي تقول عنها . والحق أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى " عن شخصياته التي ترجم لها في هذا الكتاب ، لا يقل دقة - في صدق ، وأمانة - عن " الشريط " التسجيلي ، الذي ينقل أحداث ندوة من الندوات ، أو مناظرة من المناظرات . إلا أن ما كتبه الأستاذ " مرتضى " ، مع التزامه بالدقة والأمانة والصدق ، يبدي بعاطفة الحب والتقدير لأصدقائه الذين ترجم لهم ، ولكن ذلك الحب وهذا التقدير ، لم يحملا المؤلف على الخروج عن حدود الأمانة التاريخية . فلم يجامل صديقا ، ولم يلبسه جلدا غير جلده ، ولم يرتفع به عن مقام فوق مقامه ، لأنه ملتزم أمام دينه وخلقه أن يجعل من تلك الصفحات وثيقة من وثائق التاريخ ، وشهادة يشهد بها حي على حي ، بما رأته عينه ، وسمعته أذنه ووعاه عقله . . . وتلك هي مزية هذا الكتاب من الناحية التاريخية ، من حيث الثقة بهما ، والاطمئنان