وهذا عمر صاحب أبي بكر وأمين سره في السراء والضراء ، وأخوه في المؤاخاة ، وعديله ، لأن حفصة ابنته زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فيسرع ويجر يد أبا بكر ويبايعه ، ويتلوه أبو عبيدة ، ويتلوه قلة من الأوس حقدا على الخزرج ، ويتلوهم ابن عم سعد الخزرجي حقدا على ابن عمه . وتقوم الضجة في سقيفة بني ساعدة ، ولم يكن هناك إلا قلة من الأوس والخزرج فحسب ، ويكتفي الثلاثة بهذا ويخرجون ويعلنون في الأزقة والطرقات خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويخمطون كل من شاهدوه في الطريق فيضعون يده في يد أبي بكر معلنين مبايعته . ولم يكن جيش أسامة وأكثر الأنصار والمهاجرون والمسلمون الذين فيه حاضرين ، ووصل الخبر سريعا إلى بني هاشم وبعض النخبة من الصحابة المشغولين بتجهيز جثمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأصبحوا في دهشة ما بعدها دهشة ، لهذا التدبير ، بيد أن الحزب الذي كان قد دبر أمره سار سريعا . وكان بإمكان علي ( عليه السلام ) القيام سريعا بالضربة المهلكة في صميم حركتهم ، وهو بطل الإسلام المحنك ، وأسده المشهور ، وهم يخشون سطوته ، بيد أنه لم يخف عليهم غيرته على الإسلام . فالمنافقون له بالمرصاد ، والمشركون لا يزالون يترقبون الفرصة ، وأعداؤهم يحيطون بهم ، من أتباع مسيلمة الكذاب وغيره ، وهناك أشد من ذلك أهل الكتاب المناوئون ، وخصومهم في قريش والطائف ، ومن أرغم على إسلامه وهو لا يزال يكن الشرك . هذه المخاطر مرت أمام عين الرجل المخلص ، كما مرت على فكره كلمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنه سيجد بعده جهدا ، وأنهم سينقضون البيعة وينقلبون عليه ، وأن عليه الصبر وعدم القيام المسلح .