ثم نعود لنبحث عما كان عليه وضع العالم قبل أن يرسل الله الأنبياء والمرسلين من الفوضى ، والحكم الاستبدادي ، واختلاف الطبقات ، وتغلب الأقوياء واستثمار الضعفاء وسوء حالة البشر من الناحية الصحية ، والفقر ، والجهل ، والعبودية الفردية ، والعبودية الجماعية ، والعقائد المتضاربة بين الأقطار وبين المدن وبين القبائل ، وبين العوائل وحتى بين الأفراد ، واندحار الفضيلة ، والعقول المفكرة ، واستعباد الأفراد بالقهر والغلبة ، تارة واتخاذهم عبيدا أذلاء ، أو التغلب على أفكارهم وتحجير آرائهم ، واستهتار الأقوياء وانجرافهم لأقصى ما توحي لهم غرائزهم وابتعادهم عن المنطق ، وذلة المرأة وضعفها وخضوعها . ولنعد لعصر الجاهلية في قريش ودراسة حالهم ، راجع الخطبة العصماء للزهراء البتول بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد موت رسول الله التي ألقتها على المهاجرين والأنصار ، وعرضها وضع قريش قبل الإسلام ، وما أوجده أبوها وما أسرع أن انقلبوا بعد موته [1] . وتعال معي إلى بعض مميزات الإسلام الذي لم يسبقه سابق ولم يلحقه لاحق بها : 1 - الإيمان بالله الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، الخالق المصور القدير ذو الكمال المطلق العادل العالم الحكيم المبرئ من العيب والنقص الواقف على السرائر والمسيطر على خلقه ، وفرض عبادته دون سواه . وعدم اتخاذ غيره شريكا يرجى ويخشى في صفة من صفاته ، فأين هذا من عبادة الإنسان للانسان ، والأوثان التي يصنعها بيده . 2 - العدالة ، واتباع الحق ، والأمر به على القريب والبعيد والضعيف والقوي بحد سواء ، ومن عدالته فرض الجزاء يوم القيامة .
[1] تجدها في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي .