الأمرين ، والناس حيارى يتضورون جوعا ، والصحابة تحت أشد الظروف ، ليس لأحدهم أن ينبس بكلمة نصح أو تظلم إلا كانت عليه نقمة الخليفة . ولم يستثن عثمان من الجور والعداء حتى لأعظم رجل في الإسلام من هو نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخوه ووصيه وخليفته ، ذو الفضائل والمكارم ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، حتى نجده ينفيه مرارا إلى ينبع ، وثم يستدعيه كلما ألمت به ملمة ، ودارت عليه الدوائر ، ولم يجد لحلها إلا أبا الحسن ( عليه السلام ) استرجعه كل معضلاته ، وعاد للكيد والوقيعة به ونفاه أخرى [1] . قال الله تعالى في سورة الزمر ، الآيتان ( 17 و 18 ) : * ( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ) * . ليطبقها القارئ الكريم على عثمان مع ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وسيرة أبي الحسن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) والصحابة البررة الذين يقدمون له أحسن القول وهو لا يصغي إلا إلى مروان ، حتى أرداه في الدنيا ، وأما الآخرة ففيها الحساب النكر على كل درهم ودينار حرم منها مستحقيها وقدمت لأشرار خلق الله خروجا على كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ومظالمه الأخرى ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
[1] العقد الفريد 2 : 274 ، ونهج البلاغة 1 : 468 . قال عثمان لابن عباس : اكفني ابن عمك . وقال ابن عباس : ابن عمي ليس بالرجل يرى له ولكنه يرى لنفسه فأرسلني إليه بما أصبت . قال : قل له : فليخرج إلى ماله بالينبع فلا أغتم به ولا يغتم بي . فأتى عليا وأخبره ، فقال : ما اتخذني عثمان إلا ناضحا ، ثم أنشد يقول : فكيف به أني أداوي جراجه * فيدوى فلا مل الدواء ولا الداء وقال : يا ابن عباس ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالقرب أقبل وأدبر وبعث إلي أن اخرج ، ثم بعث إلي أن أقدم ، ثم هو الآن يبعث إلي أن اخرج . والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما .