وبلغ منزلة رفيعة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صدقه وأمانته ، حتى كان يسره دون غيره [1] . وهذا أبو نعيم [2] في حليته : يجله لا يجل مثله من الصحابة ، حيث يقول فيه : العابد ، الزاهد ، القانت ، الوحيد ، رابع الإسلام ، ورافض الأزلام قبل فرع الشرع والأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام ، وأول من حيى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بتحية الإسلام ، لم تكن تأخذه في الحق لائمة اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام ، أول من تكلم في علم البقاء والفناء ، وثبت على المشقة والعناد ، وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المحن والرزايا ، واعتزل مخالطة البرايا إلى أن حل بساحة المنايا ، أبو ذر الغفاري رضي الله عنه خدم الرسول وتعلم الأصول ونبذ الفضول . من عظماء المجاهدين في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعده وأجلهم وأشجعهم أمرا بالمعروف على حد قوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية ( 104 ) : * ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) * . وإذ رأى خروج عثمان وآل أمية على حدود الإسلام أقام جهاده للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأشد فرد ، صابر لما صبت عليه من الرزايا حتى قضى نحبه . ولقد أعيى معاوية وعثمان إقناعه بالمال وغيره فأبى إلا أن يكون أمينا ناصحا . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بما يحل به فلم يأبه للوم اللائمين حتى أخبر بما سيقاسيه لعثمان نفسه ، أنه ينفى ، وكثيرا مما نزل به وما ينزل به بعد موته ، ومن
[1] مجمع الزوائد 9 : 33 والترمذي وصحيحه 2 : 213 ، والحلية لأبي نعيم 1 : 172 ، وسنن ابن ماجة 1 : 66 ، والمستدرك ج 3 ، والإصابة ج 3 ، ومسند أحمد 5 : 197 و 181 . [2] الحلية لأبي نعيم 1 : 156 .