الله وهي الربذة ، ولم يزل بها حتى مات . والذي حمل عثمان ومعاوية على ذلك أن الرجل الصالح صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في المدينة والشام ، حينما يرى بذخ عثمان على نفسه وعلى بني عمومته وعلى طلحة والزبير و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومعاوية ، وكيف يعيش عيشة الأكاسرة ، كل ذلك بأموال المسلمين ، وهناك أقرب الصحابة وآل البيت في أشد العسر والفقر ، أمثال عقيل بن أبي طالب الذي هد الفقر والدين مضجعه ، فيقول أبو ذر : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه ، والله إني لأرى حقا يطأ ، وباطلا يحيى ، وصادقا يكذب ، وإثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه ، ويتلو آيات القرآن ، وأشدها وطأة على عثمان وبني أبيه الآية ( 34 ) من سورة التوبة : * ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) * . والآية ( 35 ) من سورة التوبة : * ( يوم يحمى عليها في نار جنهم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) * . ويرن صداها في قلوب المسلمين البررة والمعوزين ، وهم يشاهدون بذخ عثمان وآل أمية بأموال الصدقات والخمس والفئ ، ويرى آثارها عثمان وآل أمية وأتباعهم فيوغرون صدر الخليفة حتى لم يجد بدا إلا ما رأينا . ولقد ثبت كلما جرى على أبي ذر من نكايات عثمان وآل أمية ظلما وقهرا لمحض أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ولخروج عثمان عن حدود الله ، حتى نفاه إلى الربذة قهرا ، وحيدا حتى مات بها . ولقد شبه أبو ذر في زهده بعيسى بن مريم ( 1 ) .
( 1 ) جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم مرفوعا عن رسول الله ( ص ) : إن أبو ذر أشبه الناس بعيسى نسكا وزهدا وبرا .