وجهه الأسمر النبيل ، وقد انحسر ما كان من شعر يتوجه في الماضي عن جبهة يتحدث في سعتها الذكاء ، ونطقت عيناه ببسمة حنان يغشاها أسى وشاه الاستحياء ، وهفت القلوب إليه ، ولكن هيئته أوحت لهم باصطناع السكون وكبت ما يضمرونه من حب مكنون . ولكنهم انطلقوا نحوه مشكوفي العواطف تحت نقاب النظرات الرقيقة ، فأولئك العامة كانت نفوسهم أصفى من أن تعرف المراعاة ، وأنقى من صفحة مرآة ، لم تفسدها الأغراض ولم تشبها ، بل كانت إن كرهت فلله ، وإن أحبت فلله . تكأكأت عليه الجموع ، وكلها مستضعف وزاهد وفقير ، ولئن تباينوا بين عبد وحر إلا أنهم في الحرمان كانوا سواء ، هذا لا يملك ما يملأ معدته ، وذاك لا يملك أن يفك رقبته ، وإنما ألفت بين قلوبهم عاطفة الإكبار والاخلاص لابن عم الرجل الذي جعلهم ناموسه في صف واحد مع أعلى الناس . ولم تكن العاطفة وحدها هي التي ألفت قلوب الشعب على هذا الرجل الضخم الأصلع القصير ، لقد أحبوه حقا بحبهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقربوه إلى نفوسهم لقربه منه . ولكن سجايا له ظهرت هذه العاطفة في قلوبهم ومكنت لها ، وخصالا رفعته في أعينهم كما رفعت ابن عمه الكريم ، ولما يهبط عليه وحي السماء . وإن الكثيرين منهم ليذكرون عليا ( عليه السلام ) من مهده ، فلا يستطيعون إلا إكباره في كل مراحل حياته ، ويحصون المحامد في الناس مجتمعين ، ولا يسعهم إلا جمعها له منفردا ، ثم تبقى له بعد هذا ، صفة واحدة جديرة بأن توليهم عطفهم الخالص ، هي أنه مظلوم بأنداده ، محروم من تراثه الذي كان له أهلا منذ أكثر من عشرة أعوام ، وكفى بهذا الحرمان صفة تؤلف حوله قلوب أولئك الذين ذاقوا في حياتهم مر الحرمان " .