نام کتاب : محاضرات في الإلهيات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 300
الأخرى ، حتى تخالفوا واستعدوا للقتال ، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، تفكر في مخلص من هذه الورطة . ثم إن أبا أمية بن المغيرة ، الذي كان أسن قريش كلها ، اقترح عليهم اقتراحا ، فقال : يا قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه ، أول من يدخل من باب هذا المسجد ، يقضي بينكم فيه ، ففعلوا ، فكان أول داخل عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما رأوه قالوا : " هذا الأمين رضينا ، هذا محمد " فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال ص : هلم ثوبا ، فأتي به فأخذ الركن ، فوضعه فيه بيده ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ، ثم بنوا عليه كما أرادوا " . ( 1 ) ب . الظروف التي فيها نشأ وادعى النبوة الصورة العامة التي يمكن رسمها عن العرب الجاهليين ، إنه كان مجتمعا غارقا إلى آذانه في عبادة الحجارة والأوثان ، والفساد الذريع في الأخلاق ، يظهر في شيوع القمار والزنا ، ووأد البنات ، وأكل الميتة ، وشرب الدم ، والغارات الثأرية ، وغير ذلك من التقاليد والأعمال السيئة التي نقلها المؤرخون ولا حاجة للتفصيل . والنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليد هذه البيئة المتدهورة ، نشأ وترعرع فيها ، وقضى أربعين عاما بينهم ، فإذا به قد بعث بأصول وآداب ومعارف ، تضاد ما كان سائدا في تلك البيئة ، فلو كان هو في تعاليمه مستمدا من بيئته ، لكان قد تأثر بها ولو في بعض هذه التقاليد .