إذ ليس من المفترض أن يدرك عقل هذا الشخص جميع العلل والحكم لكل ما صدر أو يصدر عن الله سبحانه . كما أنه إذا لم يستطع عقله أن يدرك بعض الأمور والأسرار اليوم ، فقد يدرك ذلك غدا ، بل قد لا يتمكن الآن أحدا من إدراكها ، ثم تدركها أجيال سوف تأتي بعد مئات السنين ، كما هو الحال بالنسبة لكثير مما تحدث عنه القرآن من أسرار الكون والحياة التي عرفنا بعضها في هذا القرن . وحتى لو لم ندرك ذلك ، وبقي في دائرة من استأثر الله لنفسه بمعرفته ، وربما علمه أنبياءه وأولياءه ، فما هو الإشكال في ذلك ؟ ! ويبدو لنا أن الاسراف في تقديس العقل ، باعتباره هو مصدر المعرفة الأوحد ، وجعله مقياسا لرد أو قبول النصوص حتى في هذه الفرضية الأخيرة - إن ذلك - مأخوذ من المعتزلة ، وقد كان هو الداء الدوي لهم ، ومن أسباب انحسار تيارهم ، وخمود نارهم في العصور السالفة . وما هو التاريخ يعيد نفسه ، حيث نشهد العودة إلى نفس مقولتهم ، التي أثبت الدليل بطلانها ، كما عادت مقولات أخرى أكل الدهر عليها وشرب لتطلع رأسها من خبايا التاريخ وزواياه ، لتطرح من جديد باسم التجديد ، تارة ، وباسم العصرنة والفكر الجديد أخرى ، والله هو الذي يبدئ ويعيد ، وهو الفعال لما يريد . 14 - قد يحاول البعض أن يدعي : أن السبب في نقد أفكار هذا الشخص أو ذاك هو إرادة إثارة الأجواء ضده ، لأنه يحتل موقعا متميزا ، فتحركت العصبيات في هذا الاتجاه أو ذاك ، بهدف إسقاطه . .