والنكبات ، والبلايا والمذابح الخطيرة ، حسبما أوضحناه في كتابنا " صراع الحرية في عصر المفيد " الفصل الأول ، وقد أحرقوا في بعض السنين بيوت الشيعة في الكرخ ، فمات بسبب ذلك ثمانية عشر ألف إنسان ، وعند ابن خلدون : عشرون ألفا بين طفل وشاب وامرأة . فكان رحمه الله يريد أن يتعامل مع الأمور بمنتهى الحكمة والدقة . وكان كتابه " الإرشاد " الذي ألفه في أواخر حياته ، قد راعى فيه أن يكون كتاب تاريخ يتوخى فيه بالإضافة إلى الدقة والأمانة العلمية ، أن يكون مقبولا لدى الكافة ، ويمكن للجميع أن يستفيدوا منه ، ولم يرد له أن يتخذ صفة غير صفة تحديد الحدث بتفاصيله ، بعيدا عن المذهبيات ، بل هو يتجاوز الحدود والتعصبات المذهبية ليكون كتابا للناس جميعا . فلأجل ذلك لم يذكر فيه الأمور المثيرة والحساسة بصورة ملفتة للنظر ، حتى أنه لم يذكر شيئا عن تفاصيل حادثة السقيفة ، وكل ما يرتبط بشأن البيعة لأبي بكر [1] ، ويبدو أن ذلك منه رحمه الله يدخل في نطاق سياساته المتوازنة ، التي تراعي الظروف ، والأجواء ، وتتعامل معها بواقعية هادفة ، وبمسؤولية ووعي . أما الشيخ الطوسي فكان كتابه دفاعا عن خصوص الشيعة الإمامية ، لأن الشافي قد رد فيه السيد المرتضى على القاضي عبد الجبار المعتزلي ، فلخصه الطوسي رحمه الله . فالطوسي إذن كالسيد المرتضى قد كتب كتابه بصفته إماميا ، يدافع عن مذهبه ، ويثبت صحته ، فهو يريد أن ينتهي إلى الحد المذهبي الفاصل بينه وبين غيره ، بينما أراد الشيخ المفيد لكتابه الإرشاد أن يتجاوز هذه الحدود ، ليكون تاريخا
[1] راجع كتاب الإرشاد : ج 1 ص 189 ( طبع مؤسسة آل البيت " ع " ) .