نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 405
إلى مصدر كذلك ، فإذن تتطلب هذه المحمولات موضوعا واحدا لنفسها ، حتى لا تكون القضية مجرد انتسابات بلا موضوع ، وعندئذ يكون هذا المصدر الواحد هو الشخصية الواقعية للإنسان التي نعبر عنها بروحه ونفسه . فالنتيجة : أن الشخصية الإنسانية تكمن وراء جسمه وصورته الظاهرية . ثبات الشخصية الإنسانية في دوامة التغييرات الجسدية : إن كل واحد منا يحس بأنه باق في دوامة التغيرات والتحولات التي تطرأ على جسمه ، فمع أنه تمر عليه أحوال كثيرة وتبدلات جوهرية عبر مراحل الطفولة ، والصبي ، والشباب ، والشيخوخة ، إلا أنه يجد أن شيئا واحدا ينسب إليه جميع هذه الصفات والحالات وهو باق خلال هذه التغييرات ، غير متغير . فيقول : أنا الذي كنت طفلا ، ثم يافعا ، ثم شابا ، ثم كهلا ، ثم شيخا ، فيدرك أن هناك حقيقة باقية ثابتة رغم تغيير كل هذه الأحوال والأوضاع وتصرم الأزمنة وانقضاء الأوقات ، فقد تغير كل شئ خلال سبعين سنة ولكن هناك أمر باق لم يتغير ولم يتبدل ، وهو الذي يحمل تلك الصفات والأحوال ، فالمتغير غير الثابت ، والتغير آية المادية ، والثبات آية التجرد عن أحكام المادة . بل نرى أنه ينسب إلى نفسه الفعل الذي قام به قبل خمسين سنة ويقول : " أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت طفلا " وهذا يعرب عن إدراكه بوجدانه أنه هو الذي كتب ذلك الخط سابقا ، فلو لم يكن هناك شئ ثابت إلى زمان نطقه بهذا الكلام لزم كذب القضية وعدم صحتها ، وذلك لأنه لو كان الإنسان خلاصة الأجزاء المادية الظاهرة فالمفروض أنها زالت وحدثت بعدها شخصيات جسمانية متعددة ، فأين الإنسان أيام صباه ، منه أيام شيخوخته ، وقد تحولت وتبدلت عظامه وعروقه وأعصابه في دوامة التغيرات وتحلل منه كل شئ وتخلفت عنه
405
نام کتاب : في ظلال التوحيد نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 405