بذلك كله . والآخر الفطرة بمعني أن الذهن البشري يملك معان وتصورات لم تنبثق عن الحس وانما هي ثابتة في صميم الفطرة ، فالنفس تستنبط من ذاتها . وهذه التصورات الفطرية عند ( ديكارت ) هي فكرة ( الله والنفس والامتداد والحركة ) وما إليها من أفكار تتميز بالوضوح الكامل في العقل البشري . واما عند ( كانت ) فالجانب الصوري للإدراكات والعلوم الانسانية كله فطري بما يشتمل عليه من صورتي الزمان والمكان والمقولات الاثنتي عشر المعروفة عنه . فالحس على أساس هذه النظرية مصدر فهم للتصورات والأفكار البسيطة ولكنه ليس هو السبب الوحيد ، بل هناك الفطرة التي تبعث في الذهن طائفة من التصورات . والذي اضطر العقليين إلى اتخاذ هذه النظرية في تعليل التصورات البشرية ، هو انهم لم يجدوا لطائفة من المعاني والتصورات مبررا لانبثاقها عن الحس لأنها معان غير محسوسة ، فيجب ان تكون مستنبطة للنفس استنباطا ذاتيا من صميمها ، ويتضح من هذا أن الدافع الفلسفي إلى وضع النظرية العقلية يزول تماما إذا استطعنا ان نفسر التصورات الذهنية تفسيرا متماسكا من دون حاجة إلى افتراض أفكار فطرية . ولأجل ذلك يمكننا تفنيد النظرية العقلية عن طريقين : أحدهما : تحليل الادراك تحليلا يرجعه برمته إلى الحس وييسر فهم كيفية تولد التصورات كافة عنه . فان مثل هذا التحليل يجعل نظرية الأفكار الفطرية بلا مبرر مطلقا لأنها كانت ترتكز على فصل بعض المعاني عن مجال الحس فصلا نهائيا ، فإذا أمكن تعميم الحس لشتى ميادين التصور لم تبق ضرورة للتصورات الفطرية ، وهذا الطريق هو الذي اتخذه ( جون لوك ) للرد على ( ديكارت ) ونحوه من العقليين ، وسار عليه رجال المبدأ الحسي مثل ( باركلي ) و ( دافيد هيوم ) بعد ذلك . والطريق الآخر : هو الأسلوب الفلسفي للرد على التصورات الفطرية ويرتكز على قاعدة ان الآثار الكثيرة لا يمكن ان تصدر عن البسيط باعتباره بسيطا ، والنفس بسيطة فلا يمكن ان تكون سببا بصورة فطرية لعدة من