هو القاعدة المركزية في التشريع والحكم ، وليس الكائن الاجتماعي الكبير هو الشيء الوحيد الذي تنظر اليه الدولة وتشرع لحسابه . وكل نظام اجتماعي لا ينبثق عن ذلك الفهم والاحساس فهو اما نظام يجري مع الفرد في نزعته الذاتية ، فتتعرض الحياة الاجتماعية لأقسى المضاعفات وأشد الأخطار ، واما نظام يحبس في الفرد نزعته ويشل فيه طبيعته لوقاية المجتمع ومصالحه . فينشأ الكفاح المرير الدائم بين النظام وتشريعاته والافراد ونزعاتهم ، بل يتعرض الوجود الاجتماعي للنظام دائما للانتكاس على يد منشئه ما دام هؤلاء ذوي نزعات فردية أيضا ، وما دامت هذه النزعات تجد لها - بكبت النزعات الفردية الأخرى وتسلم القيادة الحاسمة - مجالا واسعا وميدانا لا نظير له للانطلاق والاستغلال . وكل فهم معنوي للحياة واحساس خلقي بها لا ينبثق عنهما نظام كامل للحياة يحسب فيه لكل جزء من المجتمع حسابه ، وتعطى لكل فرد حريته التي هذبها ذلك الفهم والاحساس ، والتي تقوم الدولة بتحديدها في ظروف الشذوذ عنهما . . . أقول ان كل عقيدة لا تلد للانسانية هذا النظام فهي لا تخرج عن كونها تلطيفا للجو وتخفيفا من الويلات وليست علاجا محدوداً وقضاء حاسما على أمراض المجتمع ومساوئه . وانما يشاد البناء الاجتماعي المتماسك على فهم معنوي للحياة واحساس خلقي بها ينبثق عنهما . يملأ الحياة بروح هذا الاحساس وجوهر ذلك الفهم . وهذا هو الاسلام في أخصر عبارة وأروعها . فهو عقيدة معنوية خلقية ، ينبثق عنها نظام كامل للانسانية ، يرسم لها شوطها الواضح المحدد ، ويضع لها هدفا أعلى في ذلك الشوط ، ويعرفها على مكاسبها منه . وأما أن يقضي على الفهم المعنوي للحياة ، ويجرد الانسان عن احساسه الخلقي بها ، وتعتبر المفاهيم الخلقية أوهاما خالصة خلقتها المصالح المادية ، والعامل الاقتصادي هو الخلاق لكل القيم والمعنويات وترجى بعد ذلك سعادة للانسانية ، واستقرار اجتماعي لها ، فهذا هو الرجاء الذي لا يتحقق الا إذا تبدل البشر إلى أجهزة ميكانيكية يقوم على تنظيمها عدة من المهندسين الفنيين .