ألوان التصور . فهو وجود لصورة الشيء المحسوس في مدارك الحس ، ولا يملك صفة الكشف التصديقي عن واقع خارجي ، ولذلك قد يحس الانسان بأشياء ، في حالات مرضية ، ولا يصدق بوجودها . فالإحساس اذن ليس سببا كافيا للتصديق أو الحكم ، أو العلم ، بالواقع الموضوعي . ولكن المسألة التي تواجهنا حينئذ ، هي ان الاحساس إذا لم يكن بذاته دليلا ، على وجود المحسوس ، خارج حدود الشعور والادراك . فكيف نصدق اذن بالواقع الموضوعي ؟ والجواب جاهز على ضوء دراستنا لنظرية المعرفة ، وهو ان التصديق بوجود واقع موضوعي للعالم تصديق ضروري أولي ، فهو لأجل ذلك لا يحتاج إلى دليل ، ولكن هذا التصديق الضروري انما يعني وجود واقع خارجي للعالم على سبيل الاجمال . واما الواقع الموضوعي لكل احساس ، فهو ليس معلوما علما ضروريا ، واذن فنحتاج إلى دليل لاثبات موضوعية كل احساس بصورة خاصة وهذا الدليل هو مبدأ العلية وقوانينها ، ذلك أن حدوث صورة لشيء معين في ظروف وشروط معينة ، يكشف عن وجود علة خارجية له ، تطبيقا لذلك المبدأ . فلولا هذا المبدأ لما كشف الاحساس ، أو وجود الشيء في الحس ، عن وجوده في مجال آخر . ولأجل هذا السبب قد يحس الانسان بأشياء ، أو يخيل له انه يبصرها ، في حالات مرضية خاصة ، ولا يستكشف من ذلك واقعا موضوعيا لتلك الأشياء ، حيث أن تطبيق مبدأ العلية ، لا يدلل على وجود هذا الواقع ، ما دام يمكن تعليل الاحساس بالحالة المرضية الخاصة ، وانما يثبت الواقع الموضوعي للحس ، فيما إذا لم يكن له تفسير على ضوء مبدأ العلية ، الا بواقع موضوعي ينشأ الاحساس منه . ويستنتج من ذلك القضايا الثلاث الآتية : الأولى : ان الاحساس وحده ، لا يكشف عن وجود واقع موضوعي ، لأنه تصور ، وليس من وظائف التصور - بمختلف ألوانه - الكشف التصديقي . الثانية : ان العلم بوجود واقع للعالم ، على سبيل الاجمال ، حكم ضروري أولي ، لا يحتاج إلى دليل ، أي إلى علم سابق . وهو النقطة الفاصلة بين المثالية والواقعية .