ارتكازها على تلك الأسس ومدى استنباطها منها ، ولذلك كان من الممكن استحصال معارف صحيحة في كل من الميتافيزيقا والرياضيات والطبيعيات على ضوء تلك الأسس ، وان اختلفت الطبيعيات في شيء ، وهو ان الحصول على معارف طبيعية بتطبيق الأسس الأولية يتوقف على التجربة التي تهئ للانسان شروط التطبيق ، وأما الميتافيزيقا والرياضيات فالتطبيق فيها قد لا يحتاج إلى تجربة خارجية . وهذا هو السبب في ان نتائج الميتافيزيقا والرياضيات نتائج قطعية في الغالب ، دون النتائج العلمية في الطبيعيات . فان تطبيق الأسس الأولية في للطبيعيات لما كان محتاجا إلى تجربة تهيئ شروط التطبيق ، وكانت التجربة في الغالب ناقصة وقاصرة عن كشف جميع الشروط ، فلا تكون النتيجة القائمة على أساسها قطعية . ولنأخذ لذلك مثالا من الحرارة . فلو أردنا ان نستكشف السبب الطبيعي للحرارة ، وقمنا بدراسة عدة تجارب علمية ، ووضعنا في نهاية المطاف النظرية القائلة ان ( الحركة سبب الحرارة ) ، فهذه النظرية الطبيعية في الحقيقة نتيجة تطبيق لعدة مبادئ ومعارف ضرورية على التجارب التي جمعناها ودرسناها ، ولذا فهي صحيحة ومضمونة الصحة بمقدار ما ترتكز على تلك المبادئ الضرورية . فالعالم الطبيعي يجمع أول الامر كل مظاهر الحرارة التي هي موضوع البحث ، كدم بعض الحيوانات والحديد المحمى والأجسام المحترقة وغير ذلك من آلاف الأشياء الحارة ، ويبدأ بتطبيق مبدأ عقلي ضروري عليها وهو مبدأ العلية القائل ( ان لكل حادثة سببا ) ، فيعرف بذلك ان لهذه المظاهر من الحرارة سببا معينا ، ولكن هذا السبب حتى الآن مجهول ومردد بين طائفة من الأشياء ، فكيف يتاح تعيينه من بينها ؟ ويستعين العالم الطبيعي في هذه المرحلة بمبدأ من المبادئ الضرورية العقلية . وهو المبدأ القائل ( باستحالة انفصال الشيء عن سببه ) ، ويدرس على ضوء هذا المبدأ تلك الطائفة من الأشياء التي توجد بينها السبب الحقيقي للحرارة ، فيستبعد عدة من الأشياء ويسقطها من الحساب ، كدم