ممّا تقدّم يظهر أنّ الغلوّ في القرآن استُعمل في معنى مجاوزة الحدّ المفترض للمخلوق ، والارتفاع به إلى مقام الألوهيّة . قال ابن عاشور : « والغلوّ : تجاوز الحدّ المألوف ، مشتقّ من غَلْوة السهم ، وهي منتهى اندفاعه ، واستعير للزيادة على المطلوب من المعقول أو المشروع في المعتقدات والإدراكات والأفعال . والغلوّ في الدين : أن يُظهر المتديّن ما يفوت الحدّ الذي حدّد له الدِّين » [1] .
الغلوّ في أحاديث أهل البيت ورد الغلوّ في كلمات أئمّة أهل البيت عليهم السلام في عدد وافر من النصوص الروائيّة التي نهت وحذّرت من الغلوّ والمغالاة فيهم عليهم السلام والارتفاع بهم إلى مقام الألوهيّة والربوبيّة ، نشير إلى بعضها :
عن الفضيل بن عثمان قال : « سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : اتّقوا الله وعظّموا الله ، وعظّموا رسول الله صلّى الله عليه وآله . ولا تُفضّلوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله أحداً ، فإنّ الله تبارك وتعالى فضّله ، وأحبّوا أهل بيت نبيّكم حبّاً مقتصداً ولا تغلوا ولا تفرّقوا ، ولا تقولوا ما لا نقول ، فإنّكم إن قلتم وقلنا ومتّم ومتنا ، ثمّ بعثكم الله وبعثنا ، فكنّا حيث يشاء الله وكنتم » [2] .
عن الحسن بن الجهم قال : « حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق

[1] التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور التونسي ، مصدر سابق : ج 4 ص 330 .
[2] قرب الإسناد ، تأليف : الشيخ الجليل أبي العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري ( من أعلام القرن الثالث الهجري ) تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى 1413 ه‌ : الحديث 452 ، ص 129 .

476