في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلق بالأحكام الشرعية اختلافا لا يرجى معه التوفيق ، لا يبقى للمكلف مجال أن يتخير ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأى اختار ، بل لا بد له أن يفحص ويبحث حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقن أنه يتوصل به إلى أحكام الله وتفرغ به ذمته من التكاليف المفروضة ، فإنه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمته منها ، فإن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني . والدليل القطعي دال على وجوب الرجوع إلى آل البيت وأنهم المرجع الأصلي بعد النبي لأحكام الله المنزلة . وعلى الأقل قوله عليه أفضل التحيات ( إني قد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : الثقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) . وهذا الحديث اتفقت الرواية عليه من طرق أهل السنة والشيعة . فدقق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه ، فما أبعد المرمى في قوله : ( إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ) والذي تركه فينا هما الثقلان معا إذ جعلهما كأمر واحد ولم يكتف بالتمسك بواحد منهما فقط ، فبهما معا لن نضل بعده أبدا . وما أوضح المعنى في قوله : ( لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) فلا يجد الهداية أبدا من فرق بينهما ولم يتمسك بهما معا . فلذلك كانوا ( سفينة النجاة ) و ( أمانا لأهل الأرض ) ومن تخلف عنهم غرق في