14 - النبوة لطف إن الانسان مخلوق غريب الأطوار ، معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله ، بل في شخصية كل فرد من أفراده ، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى : فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات ، وفطر على حب التغلب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه ، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال تعالى : ( إن الانسان لفي خسر ) و ( إن الانسان ليطغى إن رآه استغنى ) و ( إن النفس لأمارة بالسوء ) إلى غير ذلك من الآيات المصرحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الانسانية من العواطف والشهوات . ومن الجهة الثانية ، خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير ، وضميرا وازعا يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم . ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الانسانية مستعرا بين العاطفة والعقل ، فمن يتغلب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاما والراشدين في إنسانيتهم والكاملين في روحانيتهم ، ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية ، والمنحدرين إلى رتبة البهائم . وأشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها