نام کتاب : عصمة الأنبياء في القرآن الكريم نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 74
وأدركوه بمشاعرهم وعقولهم مثل سائر الظنون التي تحدق بالقلوب البشرية وتنقدح فيها . مع أنّ المراد غير ذلك ، بل المراد انّ الظروف التي حاقت بالرسل بلغت من الشدة والقسوة إلى حد صارت تحكي بلسانها التكويني عن أنّ النصر الموعود كأنّه نصر غير صادق ، لا أنّ هذا الظن كان يراود قلوب الرسل ، وأفئدتهم ، وكم فرق بين كونهم ظانّين بكون الوعد الإلهي بالنصر وعداً مكذوباً ، وبين كون الظروف والشرائط المحيطة بهم من المحنة والشدة كانت كأنّها تشهد في بادئ النظر على أنّه ليس لوعده سبحانه خبر ولا أثر . فحكاية وضعهم والملابسات التي كانت تحدق بهم عن كون الوعد كذباً أمر ، وكون الأنبياء قد وقعوا فريسة ذلك الظن غير الصالح أمر آخر ، والمخالف للعصمة هو الثاني لا الأوّل ، ولذلك نظائر في الذكر الحكيم . منها قوله سبحانه : ( وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أنْ لا إلهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ ) ( 1 ) فإنّ يونس النبي بن متى كان مبعوثاً إلى أهل نينوى ، فدعاهم فلم يؤمنوا ، فسأل الله أن يعذّبهم ، فلمّا أشرف عليهم العذاب تابوا وآمنوا ، فكشفه الله عنهم وفارقهم يونس قبل نزول العذاب مغاضباً لقومه ظانّاً بأنّه سبحانه لن يضيق عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وتأديبه ، لأجل مفارقته قومه مع إمكان رجوعهم إلى الله سبحانه وإيمانهم به وتوبتهم عن أعمالهم . فما هذا الظن الذي ينسبه سبحانه إلى يونس ، هل كان ظناً قائماً بمشاعره ، فنحن نجلّه ونجلّ ساحة جميع الأنبياء عن هذا الظن الذي لا يتردد في ذهن غيرهم ، فكيف الأنبياء ؟ ! بل المراد انّ عمله هذا ( أي ذهابه ومفارقة قومه ) كان
1 . الأنبياء : 87 .
74
نام کتاب : عصمة الأنبياء في القرآن الكريم نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 74