نام کتاب : عصمة الأنبياء في القرآن الكريم نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 23
العليا من التقوى ، غير أنّ هناك نظرية أُخرى في حقيقتها ، لا تنافي النظرية الأُولى ، بل ربّما تعد من علل تحقق الدرجة العليا من التقوى التي عرفنا العصمة بها وموجب تكونها في النفس ، وحقيقة هذه النظرية عبارة عن « وجود العلم القطعي اليقيني بعواقب المعاصي والآثام » علماً قطعياً لا يغلب ولا يدخله شك ، ولا يعتريه ريب ، وهو أن يبلغ علم الإنسان درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها ، ويصير على حد يدرك بل يرى درجات أهل الجنة ودركات أهل النار ، وهذا العلم القطعي هو الذي يزيل الحجب بين الإنسان وتوابع الأعمال ، ويصير الإنسان مصداقاً لقوله سبحانه : ( كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم ) ( 1 ) وصاحب هذا العلم هو الذي يصفه الإمام علي ( عليه السلام ) بقوله : « فهم والجنة كمن قد رآها ، فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون » . ( 2 ) فإذا بلغ العلم إلى هذه الدرجة من الكشف يصد الإنسان عن اجتراء المعاصي واقتراف المآثم بل لا يجول حولها فكره . ولتوضيح تأثير هذا العلم في صيرورة الإنسان معصوماً من اقتراف الذنب نأتي بمثال : إنّ الإنسان إذا وقف على أنّ في الأسلاك الكهربائية طاقة من شأنها قتل الإنسان إذا مسها من دون حاجز أو عائق بحيث يكون المس والموت مقترنين ، أحجمت نفسه عن مس تلك الأسلاك والاقتراب منها دون عائق . هذا نظير الطبيب العارف بعواقب الأمراض وآثار الجراثيم ، فإنّه إذا وقف على ماء اغتسل فيه مصاب بالجذام أو البرص أو السل ، لم يقدم على شربه والاغتسال منه ومباشرته مهما اشتدت حاجته إلى ذلك لعلمه بما يجر عليه الشرب