فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا ، ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل . فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، وانتهب عسكره وخولجت خلاخل أمهات أولاده ، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل . ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً ثم غدروا به ، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، فقتلوه . ثم لم نزل أهل البيت نستذلّ ونستضام ، ونقصى ونمتهن ونحرم ، ونقتل ونخاف ، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا . ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم ، وقضاة السوء وعمّال السّوء في كلّ بلدة ، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغّضونا إلى الناس ، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام . فقتلت شيعتنا في كلّ بلدة ، وقطّعت الأيدي والأرجل على الظنة ، من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن ونهب ماله وهدم داره . ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه قاتل الحسين عليه السلام . ثم جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة وأخذهم بكلّ ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال له شيعة علي عليه السلام . وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني [1] في كتاب ( الأحداث )
[1] قال الذهبي بترجمته : « المدائني ، الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني الأخباري ، نزل بغداد ، وصنف التصانيف ، وكان عجباً في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب ، مصدقاً فيما ينقله ، عالي الإسناد . . وكان عالماً بالفتوح والمغازي والشعر صدوقاً في ذلك » توفي سنة 224 ، 225 . سير أعلام النبلاء 10 / 400 . وتوجد ترجمته في تاريخ بغداد 12 / 54 ، مرآة الجنان 2 / 83 ، معجم الأدباء 14 / 124 ، الكامل في التاريخ 6 / 516 وغيرها .