( في الربع الأخير من القرن الأول الهجري ، كان يعيش في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، رجل امتلأ قلبه إيمانا ، وأشرق نوره على وجهه روعة وجلالا . أحبته المدينة كلها ، وتسايرت الركبان بذكره وفضله ، قد تواضع فارتفع ، وتطامن للناس فأعزوه ، وأحب ضعاف الناس فأحبه كل الناس . كان للفقراء مواسيا ، وعلى اليتامى حانيا . . . ذلكم الرجل هو - علي زين العابدين ابن الحسين - ، بقية السيف من أبناء الحسين ، وبه حفظ نسل أبي الشهداء ، صريع الظلم والفساد في كربلاء . كان علي هذا شديد البكاء ، كثير الحسرات ، لأنه عاش بعد أن قتل الأحبة من آل بيته . وقد قال في ذلك ( رضي الله عنه ) : إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف ، ولم يعلم أنه مات . وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة يوم واحد ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي ) . وإنه في وسط الأحزان والآلام النفسية نبعت الرحمة منه ، ففاض قلبه بها ، فكان جوادا يسد دين المدينين وحاجة المحتاجين ، ويفيض سماحة وعفوا . وتروى الأعاجيب عن سماحته وعفوه . ومما يروى منها أن جارية كانت تحمل الإبريق ، وتسكب الماء ليتوضأ ، فوقع ما في يدها على وجهه فشجه ، فرفع رأسه إليها لائما فقالت له الجارية : إن الله تعالى يقول : ( والكاظمين الغيظ ) ، فقال : ( قد كظمت غيظي ) فقالت : ( والعافين عن الناس ) ، فقال : ( عفا الله عنك ) ، فقالت : ( والله يحب المحسنين ) ، قال : أنت حرة لوجه الله ! ) . بهذا النبل والسمو والرحمة والعطف ، اشتهر علي في ربوع الحجاز ،