لرسالته وعملا بقوله تعالى : " وهديناه النجدين " وقوله عز من قائل : " وهديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " . إذن فالتربية الإسلامية الصحيحة إنما تقوم على ثلاثة أدوار : أولها : التربية الرياضية الفطرية ، يعامل الأب فيها ابنه معاملة الرفق والرحمة والعطف والحنان ، حتى يملأ جسمه صحة وقلبه حبا للبيت والمجتمع والحياة ، لينشأ محبا لأهله ، محبا لقومه ، محبا لوطنه ، لذلك نرى الولد الذي ينشأ مع غير أبويه محروما من عطفهما وحنوهما ، لا يعرف معنى للحب الأول الذي يغرس في صدره الجهاد في الحياة ، حافلا بعصبيته لقومه ووطنه ، وعلى العكس نراه ينشأ متبرما بالحياة ، صاخبا على المجتمع ، يكاد فراغ قلبه من حنان أبويه ، يكاد يحيله وحشا مفترسا لا يملأه غير البطش والعسف والجور فيما يقول ويفعل . فالنواة الأولى لحياة المرء الهادئة المطمئنة إلى جمال الوجود وخيره ، واستقبال ما يثقف عقله وينير بصيرته ، ويملك أمره ويعزز كرامته الإنسانية في عشيرته وقومه ، وقد يصبح بفضل هذه الحياة رجلا عالميا يفيض خيره على الوجود كله . أقول : إن النواة الأولى لهذه الحياة ، هي تنشئته على الشكل الذي دعا إليه الرسول في دوره الأول ، من إسباغ الحنان عليه والرعاية له بغير ما قسوة ولا عنف ولا تقويم ، لأنه لا يزال في أمس الحاجات إلى الملاينة والمداعبة والملاطفة حتى يشتد عضله ويقوى ساعده ويتفتح قلبه للحياة ، وعلى العكس ينشأ مظلم القلب عاتي النفس لا يرى في الحياة إلا النقمة والصلف والجبروت . وثاني هذه الأدوار : التربية العلمية ، وهي التي تسترعي الأب المعلم عنايته في التثقيف والتعليم والتعريف بالحياة ، والحرص على أن يستهدف التلميذ لتقويم العقل حتى ينضج ويفقه الحكمة التي من أجلها كان ، وإليها يعود ، لأن العلم حياة والجهل موت ، ولهذا نجد الأمة التي تنشأ في الفوضى ، وتسود فيها