منها أن يتألف النبي أصحابه ، ويعلمهم كيف يصنعون ويتعاونون فيما بينهم ، فالاستشارة كانت لذلك لا لحاجته إلى آرائهم ) . [1] قالوا : الخطأ مع المشورة أصلح من الصواب مع الانفراد والاستبداد . وقال صاحب ( كليلة ودمنة ) لا بد للسلطان من مستشار مأمون ، يفضي إليه بسره ويعاونه على رأيه . المستشير وإن كان أفضل من المستشار وأكمل عقلا وأصح رأيا ، فقد يزداد برأي المشير رأيا كما تزداد النار بالدهن ضوءا ونورا . قال الشاعر : إذا أعوز الرأي المشورة فاستشر * برأي نصيح أو مشورة حازم وينبغي أن نذكر هنا رسالة أرسطو إلى الإسكندر عندما استشاره في أهل البيوتات ، وذوي الأحساب ، من أهل إيران شهر ، حينما استولى عليهم ، استشاره بماذا يعاملهم ، أبا لقتل أم بالعفو عنهم . فأشار عليه أرسطو بأن يعفو عنهم ويخصهم بالرئاسة والإمرة ، ولا يعدل عنهم إلى العامة والسفلة . ( لما ملك الإسكندر ( إيران شهر ) وهو العراق مملكة الأكاسرة ، وقتل دار ابن دارا ، كتب إلى أرسطوا ، وهو ببلاد اليونان ، عليك أيها الحكيم منا السلام ، أما بعد فإن الأفلاك الدائرة والعلل السمائية ، وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائبين ، فإنا واجدون جلس الاضطرار إلى حكمتك غير جاحدين لفضلك والإقرار بمنزلتك ، والاستنابة إلى مشورتك والاقتداء برأيك ، والاعتماد لأمرك ونهيك ، لما بلونا من جدوا ذلك علينا ، وذقنا من جنا منفعته حتى صار ذلك بنجوعه فينا وترسخه في أذهاننا وعقولنا كالقضاء لنا ، فما ننفك نعول عليه ونستمد منه استمداد الجداول من البحور ، وتعويل الفروع على الأصول وقوة الأشكال بالأشكال .