المرء مذعنة لفكرة ، منقادة للوازع النفسي فيه ، مصرفة بالحس الديني المسيطر على النفس ومشاعرها ، أما والله لو عم هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعا ، لآل معناه أن يكون إجماعا من الإنسانية كلها على إعلان الثورة شهرا كاملا في السنة لتطهير العالم من رذائله وفساده ، ومحق الأثرة والبخل فيه ، وطرح المسألة النفسية ليتدارسها أهل الأرض دراسة عملية مدة هذا الشهر بطوله فيهبط كل رجل وكل امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها ، ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى الفقر ، وليفهم في طبيعة جسمه - لا في الكتب - معاني الصبر والثبات والإرادة ، وليبلغ من ذلك وذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان ، فيحقق بهذه وتلك معاني الإخاء والحرية والمساواة . شهر هو أيام قلبية في الزمن ، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي ، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي ، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو ، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق ، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو ، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو ، وكأنما ألزمت معاني التقوى كما ألزمها هو . وما أجمل وأبدع أن تظهر الحياة في العالم كله - ولو يوما واحدا - حاملة في يدها السبحة . ! فكيف بها على ذلك شهرا من كل سنة ؟ إنها والله طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والحق في النفس ، وتطهير الاجتماع من خسائس العقل المادي ، ورد هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين ، والمحررة من القوانين في باطنها - إلى قانون من باطن نفسها يطهر مشاعرها ، ويسمو بإحساسها ، ويصرفها إلى معاني إنسانيتها ، ويهذب من زياداتها ويحذف كثيرا من فضولها ، حتى يرجع بها إلى نحو من