والمساواة ) يكون هدوء الحياة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني ، وإذا أنت نزعت هذه الفكرة من الاشتراكية بقي هذا المذهب كله عبثا من العبث في محاولة جعل التاريخ الإنساني تاريخا لا طبيعة له . * * * من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم ، وهذا بعض السر الاجتماعي العظيم في الصوم ، إذ يبالغ أشد المبالغة ، ويدقق كل التدقيق ، في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاقة ، فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس ، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث ، فهما طريقتان كما ترى مبصرة وعمياء ، وخاصة وعامة ، وعلى نظام وعلى فجأة . ومتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير ، أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ ، وحكم الوازع النفسي على المادة ، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول ( أعطني ) ثم لا يسمع منه طلبا من الرجاء ، بل طلبا من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه ، كما يواسي المبتلي من كان في مثل بلائه . أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية التي تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوما في كل سنة ، ليحل في محله تاريخ النفس ، وأنا مستيقن أن هناك نسبة رياضية هي الحكمة في جعل هذا الصوم شهرا كاملا من كل اثني عشر شهرا ، وأن هذه النسبة متحققة في أعمال النفس للجسم ، وأعمال الجسم للنفس ، كأنه الشهر الصحي الذي يفرضه الطب في كل سنة للراحة والاستجمام وتغيير المعيشة ، لا حداث الترميم العصبي في الجسم ، ولعل ذلك آت من العلاقة بين دورة الدم في الجسم الإنساني وبين القمر منذ يكون هلالا إلى أن يدخل في المحاق ، إذ تنتفخ العروق وتربو في النصف