قد سبق أن قدمت لقرائي - فيما قدمت - كتاب ( الجواهر الروحية ) بأجزائه الثلاث ، وكتاب ( علي والأسس التربوية ) . وما كنت أفكر أني سأوفق يوما ما لأمر ذي شأن ، بيد أن العناية أعادت الكرة فوحدت بين السمع والبصر والعقل ، فحفزتني إلى وضع شرح ( رسالة الحقوق ) المستوحاة من الإمام زين العابدين ( ع ) وإلى اقتفاء الخطوط العريضة التي رسمها في حق الفرد والمجتمع ، وأحسب أن هذا الشرح بداية جديدة من نوعها . ومهما يكن ، فلقد خرجت من كتابي هذا بشعور أقرب إلى الرضا والارتياح . . ولا أدري ما هو سبب هذا الشعور ، وعن أي شئ يعبر . . لعله يعبر عن أملي بأن هذه الصفحات ستبعث غيري على المزيد والتوسع ، أو يعبر عما خيل إلي بأنها تعرف القراء - ولو بعضهم - بأشياء وضعها الإمام كانوا يجهلونها . أو أن شعوري بالرضا يمثل شيئا من الحقيقة ؟ . . والله أعلم ، وهو سبحانه المسؤول أن يخرج القارئ من هذا الكتاب بشعور الرضا والارتياح * * * رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين ( ع ) يفيض بها الوجدان روعة وجلالا ، ويمتلأ ، بها القلب طمأنينة وإيمانا ، وتثير في الأسماع بهجة ورضا ، وتحرك في النفوس عواطف وأحاسيس ، وهي لعمري رائد الفكر الإنساني ، وسجل المعرفة . وفوق ذلك كله أنها الوسيلة لفهم الإنسان نفسه وما فطرت عليه من مواهب ونزعات . وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم ، والمشرف الأعلى على جميع منازع الناس وتطوراتهم في علومهم ومعارفهم وسلوكهم ، وسائر اتجاهاتهم العقلية والسياسية والاجتماعية . إنها ( رسالة ) تهدي للتي هي أقوم ، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه ، وبين عقيدته