النشاء ، وهو من أهم عناصر الغذاء . ومن أجل أن اللسان آلة للتكلم ، ومن أجل أن الأصوات تخرج من الحنجرة كما تعلم ، ومن أجل أن الحنجرة لا تستطيع توليد الحروف كلها ، بل يقتصر عملها على توليد الحروف الصوتية ( المعروفة بحروف العلة ) دون الحروف الأخرى ( المعروفة بحروف الصحة ) التي لا بد لتوليدها من تقطيع مجرى الهوى الذي يحمل الصوت من الحنجرة ، فقد شاءت المصادفة أن يخلق هذا اللسان مع الشفتين ليكون وسيلة لتقطيع الهواء وإخراج حروف الصحة ، ولولا ذلك ما كان لنا كلام فصيح ، بل كنا نكون كالحيوانات نطلق أصواتا نمدها مدا ، فلا نحس إلا عواء ونعيقا ، أو صفيرا ونقيقا ، أو صهيلا ونهيقا . فما أعجبها هذه المصادفات التي كثرت وتوالت وتلاقت ، وتلاءمت وتوافقت حتى كونت لنا هذا اللسان العجيب . حقا أن اللسان عضو عجيب ، ولكن ماذا في الشفتين سوى أنهما تساعدان على لفظ بعض الحروف . أكان يرضيك أن تخلق بلا شفتين مكشرا فاغرا ، يسيل لعابك ويدخل الغبار إلى صدرك ، والذباب إلى لهاتك . . . ؟ ألا تشكر المصادفة التي خلقت هذا الإنسان ( في أحسن تقويم ) فجعلت له من الشفتين زينة لوجهه ، وسترا لفمه ، وحاجزا للعابه ، ومانعا من دخول الغبار إلى رئاته ، والذباب إلى لهاته ، ليتنفس من حيث ينفع التنفس بأنفه وخيشومه ، ويصد المؤذيات عن حلقه وبلعومه . . . ؟ ألا تشكر المصادفة التي سلمت هاتين الشفتين بقوة مرهفة من الاحساس ليصدا كل مؤذ وكاو ومحرق ، وزودتهما تحت غشائهما المخاطي بغدد تفرز اللعاب لتظلا رطبتين مرطبتين ، وربطتهما بأعصاب تجعل كل حركة لهما ، ( من فتح وإغلاق ، ومط وزم ) بإرادة الإنسان واختياره ليفتحهما ساعة يشاء