نام کتاب : شرح إحقاق الحق نویسنده : السيد المرعشي جلد : 29 صفحه : 609
جوادا بالمال رحيما بالمساكين . ورأيتني قد وصفته في كتابي البحار الزاخرة بأنه آدم أي أسمر ، ضرب من الرجال أي خفيف اللحم ، ممشوق مستدق ، ربعة أي لا بالطويل ولا بالقصير ، أجلى الجبهة أي خفيف شعر النزعتين عن الصدغين وهو الذي انحسر الشعر عن جبهته ، أقنى الأنف أي طويله مع دقة أرنبته ، أشم أي رفيع العرنين أزج أي حاجبه فيه تقويس مع طول في طرفه أو امتداده ، أبلج أعين أكحل العينين واسع العين والكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة من غير اكتحال ، براق لثناياه بريق ولمعان ، أفرقها أي ليست متلاصقة ، أزيل الفخذين أي منفرج الفخذين متباعدهما . وفي رواية : في لسانه ثقل وإذا أبطأ عليه ضرب فخذه الأيسر بيده اليمنى 1 ) ، ابن
1 ) قوله : وفي رواية : في لسانه ثقل وإذا أبطأ عليه ضرب فخذه الأيسر بيده اليمنى . أقول : هذه الرواية كأخواتها من أن المهدي من بني أمية ، أو بني العباس ، أمن بني الحسن عليه السلام ، أوليس المهدي إلا عيسى بن مريم عليه السلام ، من موضوعات بعض مخالفي أهل البيت عليهم السلام الذين يتجسسون في وادي الضلالة دليلا يقام في تضعيف مقامهم السامي عليهم السلام . وهم مع ذلك يدعون في الظاهر مودتهم ويظهرون محبتهم في لسانهم . ومن هذا القبيل قولهم في أبيه أبي طالب أنه لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله ومات كافرا ، وهو في ضحضاح من النار ، بخلاف قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه . روى لما ماتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ألبسها النبي صلى الله عليه وآله قميصه واضطجع معها في قبرها . فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا ؟ فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها لتهون عليها وحشة القبر . وكان أبو طالب بارا برسول الله صلى الله عليه وآله وناصرا له وذابا عنه من كفرة قريش وعبدة الأصنام . وأهل البيت - وهم أدرى بما في البيت - كلهم قالوا بإيمان أبي طالب . هذا زعيمهم وعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجابر : يا جابر فلما أسري بي وانتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار . فقلت : يا إلهي ما هذا الأنوار ؟ فقال : يا محمد هذا عبد المطلب ، وهذا أبو طالب ، وهذا أبوك عبد الله ، وهذا أخوك طالب . فقلت : إلهي وسيدي فيما نالوا هذه الدرجة ؟ قال : بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا . وهذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام في رواية ميثم التمار عنه عليه السلام قال : تبع أبو طالب عبد المطلب في أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك . فقال : اذهب فواره وأنفذ لما أمرك فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون ونبشت قبر عبد المطلب فرفعت الصفيح عن لحده ، فإذا هو موجه إلى القبلة فحمدت الله تعالى على ذلك ووجهت الشيخ وأطبقت الصفيح عليهما . فأنا وصي الأوصياء وورثة خير الأنبياء . قال ميثم : فوالله ما عبد علي ولا عبد أحد من آبائه غير الله تعالى إلى أن توفاهم الله تعالى . وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام رثي لموته فقال : أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم * لقد هد فقدك أهل الحفاظ فصلى عليك ولي النعم * ولقاك ربك رضوانه فقد كنت للطهر خير عم وهذا الإمام محمد الباقر عليه السلام قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا . وهذا الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وأيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم . وقال عليه السلام بعد تكذيب رواية ضحضاح : كذب أعداء الله ، إن أبا طالب من رفقاء . النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وهذا الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم كتب في جواب عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار . وذكر العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان شيخ العلماء ببلد الله الحرام مفتي الشافعية وشيخ الخطباء في كتابه " أسني المطالب في نجاة أبي طالب " ص 60 : وقد ذكر الإمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمى بشهاب الأخبار للعلامة ابن سلامة القضاعي المتوفى سنة 454 ه أن بغض أبي طالب كفر ، ونص على ذلك أيضا من أئمة المالكية العلامة علي الأجهوري في " فتاويه " والتلمساني في حاشيته على الشفا . فقال عند ذكر أبي طالب : لا ينبغي أن يذكر إلا بحماية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حماه ونصره بقوله وفعله وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلى الله عليه وسلم وموذي النبي صلى الله عليه وسلم كافر والكافر يقتل وقال أبو الطاهر : من أبغض أبا طالب فهو كافر . والحاصل : إن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كفر يقتل فاعله إن لم يتب وعند المالكية يقتل وإن تاب . ثم روى عن الطبراني والبيهقي خبر ابنة أبي لهب أنه قيل لها : لا تغني عنك هجرتك وأنت بنت حطب النار فتأذت من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فاشتد غضبه ثم قام على المنبر فقال : ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي فمن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى . وأخرج ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، فبغض أبي طالب والتكلم فيه يؤذي النبي صلى الله عليه وآله ، ويؤذي أولاده الموجودين في كل عصر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات . ومما يؤيد هذا التحقيق الذي حققه العلامة البرزنجي في " نجاة أبي طالب " أن كثيرا من العلماء المحققين وكثيرا من الأولياء العارفين أرباب الكشف قالوا نجاة أبي طالب منهم القرطبي والسبكي والشعراني وخلائق كثيرون ، وقالوا : هذا الذي نعتقده وندين الله به . إلى أن قال : وقد ذكر البرزنجي أحاديث كثيرة تدل على نجاة أبي طالب ، ثم قال : وإن كان بعضها ضعيفا لكن لكثرتها يقوي بعضها بعضا لا سيما وأكثرها صحيح لا ضعف فيه . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث ونحن أعرضنا عن ذكرها خوفا من الإطالة . وهذا غير خفي أن آباء النبي كانوا موحدين مؤمنين معتقدين للمبدء والمعاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ولدت من بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ولم تزل تتنازعني الأمم كابرا عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب : هاشم وزهرة . وكان جده عبد المطلب على التوحيد وعلى أكمل الصفات وانتهت إليه الرياسة وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن الدنيات والصفات السيئات . وكان يقول : لم يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة . فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال : والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسئ بإساءته . قلت : روى ابن أبي الحديد في شرح النهج مثل ذلك عن ولده الشريف زبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده رجل ظلوم من بني أمية مات . قال : كيف ؟ قيل : حتف أنفه . فقال الزبير : وفي هذا دلالة أن لله دارا غير هذه الدار - فذكر مثل قول أبيه عبد المطلب . ويروى أن عبد المطلب يعطى نور الأنبياء وجمال الملوك ويبعث أمة واحدة لأنه كان على التوحيد ، وروي عن أبي طالب قال : ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا . ولقد قال : إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فيؤمن به . وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : والله ما عبد أبي ولا جدي ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط . قيل : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به . وروي أن عبد المطلب يعتكف شهر رمضان كل سنة في الحراء من أول الشهر إلى آخره وكان هو كآبائه الطاهرين موحدين وما قيل في آزر إنه يتخذ الأصنام آلهة فهو لم يكن أبا لإبراهيم عليه السلام بل كان عمه كما حقق في محله . لم ينقل عن أحد من أسرة النبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله حين نهى قريش عن عبادة الأصنام : لم تسب آباءنا وتشتم آلهتنا وتسفه أحلامنا . كما قالته قريش فلو عرفوا من آبائهم ذلك لقالوا : أتذكر آباءك بسوء . وأما عداوة أبي لهب فكانت بسبب مصاهرة أبي سفيان الأموي لأنه كان متزوجا أخت أبي سفيان أم جميل حمالة الحطب وكان أبو لهب يهوي هواهم . وأبو طالب كان على ملة آبائه ولو عبد أبو طالب صنما يلزم أن يكون أول من أشرك من هذه الأسرة الشريفة والسلسلة الكريمة ولم يثبت بطريق ثابت أن أبا طالب أو من أحدث الشرك وعبادة الأصنام من هذا النسب الطاهر والسلسلة المباركة ، والأصل عدم ذلك فهو تبع لعبد المطلب في أحواله كلها من مكارم الأخلاق وحماية الذمار والرياسة حتى خرج من الدنيا وهو على ملة أبيه عبد المطلب ، وكان أبو طالب ملجأ في الشدائد يلوذون به ويلتمسون منه في حل مشكلاتهم . أصاب أهل مكة قحط شديد فأتوا أبا طالب وقالوا له : قد أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه النبي صلى الله عليه وآله هو غلام فأخذه أبو طالب فألصقه بالكعبة ولاذ الغلام أي أشار بأصبعه إلى السماء كالملتجئ وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هيهنا ومن هيهنا وأمطرت السماء واغدودق الوادي وكثر قطره وأخصب النادي والبادي ، وفي هذه يقول أبو طالب بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله يذكر قريشا يده وبركته صلى الله عليه وآله عليهم من صغره : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وروى البيهقي عن أنس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وشكا الجدب والقحط وأنشد أبياتا . فقام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رد يديه حتى التقت السماء بأبراقها ثم بعد ذلك جاؤوا يضجعون من المطر خوف الغرق ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه ثم قال : لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله ؟ فقال علي كرم الله وجهه : كأنك تريد قوله : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال صلى الله عليه وآله : أجل . وفي هذا أيضا دلالة واضحة على إيمان أبي طالب وأنه ليس بكافر لأنه لو كان كافرا لم يدعو له النبي صلى الله عليه وآله ولم يقل : لله در أبي طالب . ومات أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة ، وقال جبرئيل للنبي : أخرج من مكة مات ناصرك فليس لك فيها ناصر ومعين : فهاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة الطيبة . ويظهر من هذه كلها أن أبا طالب ما كان كافرا وكان على دين آبائه الحنيف الإبراهيمي وإصرار هؤلاء الحمقاء على تكفيره ناش من أفكار عمال بني أمية وبني مروان وبني العباس الفسقة الفجرة تجار الحديث الذين باعوا دينهم بدنياهم وخسروا خسرانا مبينا . وكانوا يبغضون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بغضه بغض رسول الله وبغض رسول الله صلى الله عليه وآله بغض الله تعالى ، وذلك البغض يحثهم إلى جعل هذه الأكاذيب الفاحشة . قيل لبعضهم لم لا تحب عليا ؟ قال : لأنه قتل آبائي وأجدادي . وقال أتباعهم الخبيثة يوم عاشوراء للحسين الشهيد سيد باب أهل الجنة : إنما نقتلك على بغض أبيك علي بن أبي طالب . وقالوا : إنما قتل الحسين بسيف جده . وأفتى قاضيهم بأن الحسين خرج عن دين جده فدمه هدر . وأخبر النبي صلى الله عليه وآله أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، من آذاهما فقد آذاني . ولعن قتلته هؤلاء الكذبة الفجرة قالوا ما قالوا وفعلوا ما فعلوا وجعلوا ما جعلوا بخلاف قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي وأبيه وأولاده حتى المهدي عليه السلام قالوا إنه من بني أمية أو من بني العباس أو من بني الحسن . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه : المهدي من عترتي ، وفي بعضها : هو مني من ابنتي فاطمة من ولد الحسين اسمه اسمي ، يملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت جورا وظلما ، وهؤلاء زادوا في بعضها و نقصوا في بعض آخر وحرفوا الكلم عن مواضعه . ومما زادوا هذه الرواية : إن في لسان المهدي عليه السلام ثقلا ويحتبس عليه الكلام حتى يضرب بيده على فخذه . وعلى الاعتقاد الحق فليكن الإمام كالرسول صلى الله عليه وآله بريئا عن العيوب البدنية والنفسانية وجامعا للكمالات بأجمعها وكاملا في نفسه ومكملا لغيره ومقدما على أهل زمانه في الفضائل والفواضل بحكم العقل لأن المفضول لا يكون إماما مع وجود الفاضل يقبح تقدم المفضول على الفاضل عند العقل ، والثقل في اللسان هو أيضا من العيوب المنفرة المنزجرة للنفوس فلا يجوز ذلك للإمام عليه السلام .
609
نام کتاب : شرح إحقاق الحق نویسنده : السيد المرعشي جلد : 29 صفحه : 609