نام کتاب : شرح إحقاق الحق نویسنده : السيد المرعشي جلد : 29 صفحه : 292
مستدرك المهدي عليه السلام يصلي عيسى بن مريم خلفه قد تقدم نقل ما يدل عليه من أعلام العامة في ج 4 ص 158 وص 356 و ج 13 ص 70 و 198 و 199 و 205 إلى 211 و ج 15 ص 381 و ج 19 ص 676 ومواضع أخرى من هذا السفر الشريف ، ونستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق : وفيه أحاديث 1 ) :
1 ) قال العلامة الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة 911 في " نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان " ص 56 دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1405 : بلغني عن بعض المنكرين أنه أنكر ما ورد من أن عيسى عليه السلام إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح ، وأنه صنف في ذلك كتابا وقال : إن عيسى بن مريم أجل مقاما من أن يصلي خلف غير نبي . وهذا أعجب ، فإن صلاة عيسى عليه السلام خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق الصدوق . ومن هذه الأخبار - فذكر هذه الأخبار . ورويناها في مواضعها ووضعنا كلا في محله . وقال الفاضل المعاصر محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية في مراقد أهل البيت بالقاهرة " ص 172 ط مطبوعات العشيرة المحمدية بمبنى جامع البنات بالقاهرة : وفي فيض القدير ( 6 / 17 ) شرح الجامع الصغير قال الشيخ المناوي في شرح حديث " منا الذي يصلي عيسى خلفه " : أي ( منا ) أهل البيت ( الذي ) أي الرجل الذي ( يصلي عيسى ابن مريم ) روح الله عند نزوله من السماء في آخر الزمان عند ظهور الدجال ( خلفه ) فإنه ينزل كما في حديث مسلم ، وأحمد ، شرقي دمشق ، أو بيت المقدس ، فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به المهدي فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه السلام ويصلي خلفه . وهو المقصود من رواية أحمد ومسلم ، فينزل عيسى بن مريم وطائفة الظاهرة على الحق تصلي ، فيقول أميرهم لعيسى : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء . قالوا : والأمير هنا هو الإمام المهدي ، كما سيأتي بعد . قال ابن الجوزي في " إرشاد الساري " ( 5 / 429 ) عند حديثه عن صلاة عيسى عليه السلام خلف المهدي : لو تقدم عيسى إماما لوقع في النفس إشكال ، فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة . وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي القرشي الكنجي الشافعي في " البيان في أخبار صاحب الزمان " ص 113 ط مؤسسة الهادي للمطبوعات بقم : وأخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود البغدادي بها والحافظ إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني بدمشق ، ومحمد بن أبي الفضل بمكة حرسها الله تعالى ، والحافظ العلامة عثمان بن عبد الرحمن المفتي بدمشق وغيرهم قالوا : أخبرنا المقرئ أبو الحسن بن محمد بن علي بنيسابور ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي ، وأخبرنا عبد الغافر ابن محمد بن عبد الغافر الفارسي ، وأخبرنا محمد بن عيسى ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ، حدثنا الوليد بن شجاع ، وهارون بن عبد الله ، وحجاج بن الشاعر قالوا : حدثنا حجاج - وهو ابن محمد - عن ابن جريح قال : أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة . قلت : هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه كما سقناه وإن كان الحديث المتقدم قد أول فهذا لا يمكن تأويل لأنه صريح ، فإن عيسى يقدم أمير المسلمين وهو يومئذ المهدي ( ع ) فعلى هذا بطل تأويل من قال معنى قوله " وإمامكم منكم " أي يؤمكم بكتابكم . أخبرنا نقيب النقباء فخر آل رسول الله صلى الله عليه وآله أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحسني ، عن أبي الفرج يحيى بن محمود ، عن أبي علي الحسن بن أحمد ، حدثنا الحافظ أبو نعيم ، حدثنا أبو المظفر ، حدثنا محمد بن يوسف بن بشر ، حدثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني ، حدثنا أبو حازم عبد الغفار بن الحسن بن دينار ، حدثنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيلتفت المهدي عليه السلام وقد نزل عيسى ( ع ) كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم صل بالناس فيقول عيسى : إنما أقيمت لك ، فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي ، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه فيمكث أربعين سنة ، الآيات في زمانه ، أول الآيات الدجال ، ثم نزول عيسى ( ع ) ثم نار تخرج من بحر عدن تسوق الناس إلى المحشر . قلت : هكذا أخرجه أبو نعيم في " مناقب المهدي " . فإن سأل سائل وقال ، مع صحة هذه الأخبار وهي أن عيسى ( ع ) يصلي خلف المهدي ( ع ) ويجاهد بين يديه وأنه يقتل الدجال بين يدي المهدي ( ع ) ورتبة التقدم في الصلاة معروفة ، وكذلك رتبة التقدم للجهاد ، وهذه الأخبار مما ثبت طرقها وصحتها عند السنة وكذلك ترويها الشيعة على السواء ، فهذا هو الاجماع من كافة أهل الاسلام ، إذ من عدى الشيعة والسنة من الفرق فقوله ساقط مردود محشو مطرح ، فثبت أن هذا إجماع كافة أهل الاسلام ، ومع ثبوت الاجماع على ذلك وصحته فأيهما أفضل الإمام أم المأموم في الصلاة والجهاد معا ؟ الجواب عن ذلك هو أن نقول : إنهما قدوتان نبي وإمام ، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الإمام يكون قدوة للنبي في تلك الحال ، وليس فيهما من تأخذه في الله لومة لائم ، وهما أيضا معصومان من ارتكاب القبايح كافة ، والمداهنة والرياء والنفاق ، ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة ولا مخالفا لمراد الله تعالى ورسوله ، وإذا كان الأمر كذلك فالإمام من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك بدليل قوله صلى الله عليه وآله : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن استووا فأعلمهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة ، فإن استووا فأصبحهم وجها . فلو علم الإمام أن عيسى أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه علم الشريعة ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كل مكروه ، وكذلك لو علم عيسى أنه أفضل منه لما جاز أن يقتدي به لموضع تنزيه الله تعالى له من الرياء والنفاق والمحاباة ، بل لما تحقق الإمام أنه أعلم منه جاز له إن يتقدم عليه ، وكذلك قد تحقق عيسى أن الإمام أعلم منه فلذلك قدمه وصلى خلفه ، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام ، فهذه درجة الفضل في الصلاة ، ثم الجهاد هو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولا بين يدي غيره ، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله سبحانه ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل و القرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) ولأن الإمام نائب الرسول ( ص ) في أمته ولا يسوغ لعيسى ( ع ) أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبه ومما يؤيد هذا القول هوما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني في " سننه " في حديث طويل في نزول عيسى ، فمن ذلك : قالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول الله فأين العرب يومئذ ؟ قال : هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ أنزل عليهم عيسى بن مريم ( ع ) فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقري ليتقدم عيسى ( ع ) يصلي بالناس ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول . قلت : هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة في كتابه عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله ( ص ) وهذا مختصره . أخبرنا الحافظ يوسف بحلب أخبرنا القاضي أبو المكارم ، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أخبرنا الحافظ أبو نعيم ، أخبرنا أبو الفرج الإصبهاني ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن شعبة ( سعيد ) ، حدثنا أبي ، حدثنا حصين بن مخارق ، عن الخليل بن لطيف ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منا الذي يصلي عيسى ابن مريم ( ع ) خلفه . قلت : هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب " مناقب المهدي " وكتابه أصل . وقال العلامة الشيخ محمد السفاريني في " أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى " ص 30 ط القاهرة : تنبيه في أن المهدي غير عيسى : قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم . وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم روايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة ، وكذا عند أهل الشيعة أيضا لكنهم زعموا أنه محمد بن الحسن العسكري كما تقدم . وقال الشريف أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري الشافعي في " فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب " ج 2 ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية ، بيروت ، قال : 574 - حديث " لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدبارا ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا مهدي إلا عيسى بن ريم [ حل ( 9 / 161 و 2 / 99 ) وابن عبد البر في العلم ( 1 / 155 ) وفي الباب عن عمران ( حل 7 / 262 ) ] . ابن مندة في فوائده والقضاعي في " مسنده " كلاهما من طريق أبي علي الحسن بن يوسف الطرائفي وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني ، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريا الساجي والحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن زيد بن عيسى بن عبد الله بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وابن ماجة في " سننه " ، كلهم قالوا : حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . إلا أن الحاكم قال : " ولا الدين " بدل " ولا الدنيا " . قلت : وزيادة " لا مهدي إلا عيسى " زيادة باطلة موضوعة ، تفرد بها محمد بن خالد الجندي وهو مجهول كما قال أبو حاتم والحاكم والأبري وابن الصلاح في أماليه . وقال ابن عبد البر : إنه متروك . وقال الأزدي : منكر الحديث . وأقول : إنه كذاب ، فقد ورد الحديث من غير طريقه ليست فيه هذه الزيادة . أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق علي بن الحسين الدرهمي ، والطبراني في " الصغير " من طريق عبد الله بن هانئ النيسابوري ، كلاهما عن مبارك بن سحيم ، ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يزداد الزمان إلا شدة ، ولا يزداد الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس . وليست فيه هذه الزيادة كما أنه روى حديثا مشهورا متفقا على صحته ، فزاد فيه زيادة باطلة يدركها كل عاقل بالبداهة ، فذكر الحافظ ابن عبد البر في ترجمة يزيد بن الهادي من التمهيد أن محمد بن خالد الجندي هذا روى عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده مرفوعا : تعمل الرحال إلى أربعة مساجد : مسجد الحرام ومسجدي ومسجد الأقصى ومسجد الجند . وقال ابن عبد البر عقب ذكر الحديث : محمد بن خالد متروك ، والحديث لا يثبت . إنتهى . يعني بالزيادة التي زادها هذا الدجال ، على أنه اختلف عليه في حديث الترجمة ، فتارة جعله عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس كما تقدم ، وتارة جعله عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا . قال البيهقي : قال أبو عبد الله الحاكم : محمد بن خالد الجندي مجهول ، واختلفوا عليه في إسناده فرواه صامت بن معاذ ، قال : حدثنا محمد بن خالد ، فذكره بإسناده المتقدم ، قال صامت : عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء ، فدخلت على محدث لهم ، فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا . قال البيهقي : فرجع الحديث إلى محمد بن خالد الجندي - وهو مجهول - عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منقطع . قال : والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة . إنتهى . قلت : وفيه علل أخرى أيضا منها على الرواية الأولى - وهي طريق أبان بن صالح - الانقطاع لأن أبان لم يسمع من الحسن كما قاله ابن الصلاح في " أماليه " . ومنها الانقطاع بين يونس بن عبد الأعلى والشافعي ، فقد قال الذهبي في " الميزان " في ترجمة محمد بن خالد الجندي بعد ذكر جرحه ما نصه : قلت : حديثه " لا مهدي إلا عيسى " وهو حديث منكر ، أخرجه ابن ماجة ، ووقع لنا موافقة من حديث يونس بن عبد الأعلى - وهو ثقة - تفرد به عن الشافعي ، فقال في روايتنا " عن " هكذا بلفظ عن الشافعي ، وقال جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى قال : حدثت عن الشافعي ، فهو على هذا منقطع ، على أن جماعة رووه عن يونس قال : حدثنا الشافعي ، والصحيح أنه لم يسمعه منه . إنتهى . وقد طعن الناس في يونس بن عبد الأعلى مع كونه ثقة بسبب انفراده بهذا الحديث عن الشافعي فأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال : وثقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ ، إلا أنه تفرد عن الشافعي بذلك الحديث : لا مهدي إلا عيسى بن مريم ، وهو منكر جدا . إنتهى . وقال أيضا في " التذكرة " بعد نقل توثيقه : قلت : له حديث منكر عن الشافعي ، ثم ساقه بسنده . وقال الحافظ في " تهذيب التهذيب " : قال مسلمة بن القاسم : كان يونس بن عبد الأعلى حافظا ، وقد أنكروا عليه تفرده بروايته عن الشافعي حديث " لا مهدي إلا عيسى " . وذكر المزي في " التهذيب " عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول : كذب علي يونس بن عبد الأعلى ، ليس هذا من حديثي . إنتهى . وقال الحاكم بعد إخراج الحديث في " المستدرك " : إنما أخرجت هذا الحديث تعجبا لا محتجبا به في " المستدرك على الشيخين " رضي الله عنهما ، فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تذهب [ الأيام و ] الليالي [ حتى ] يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . إنتهى . تنبيه : مما يدل على بطلان هذا الخبر ويوجب رده وعدم قبوله معارضته لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خروج المهدي ، وأنه غير عيسى بن مريم كما سأذكره ، والصحيح من مذاهب العلماء والأصوليين أنه يفيد القطع ، وقد قرروا أن من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنص القطعي على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال ، هذا إذا كان صحيحا ، فكيف بباطل . وأما تواتر خروج المهدي فنص عليه غير واحد من الأئمة والحافظ كالسخاوي والسيوطي . وقال الآبري : قد تواترت الأخبار ، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى عليه الصلاة السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى خلفه في طول من قصته وأمره . إنتهى . وألف الشوكاني كتابا سماه " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " . قال فيه : والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها خمسون حديثا ، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول . وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة ، لها حكم الرفع ، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك . إنتهى . وقال السفاريني في " لوامع الأنوار البهية في عقيدة الفرقة المرضية " : وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة ، وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة . إنتهى . وقال القنوجي في " الإذاعة " : والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا ، تبلغ حد التواتر ، وهي السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد ، وقد أضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حيث قال : يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة ، وتكلم فيها المنكرون وربما عارضوها ببعض الأخبار إلى آخر ما قال . وليس كما ينبغي ، فإن الحق الأحق بالاتباع والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع أن المعتبر في الرواة رجال الحديث أمران لا ثالث لهما ، وهو الضبط والصدق دون ما اعتبره عامة أهل الأصول من العدالة وغيرها ، فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك ، كيف ومثل ذلك يتطرق إلى رجال الصحيحين ؟ وأحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ، فتعرض المنكرين لها ليس كما ينبغي ، والأحاديث يشد بعضها بعضا ، ويتقوى أمرها بالشواهد والمتابعات ، وأحاديث المهدي بعضها صحيح ، وبعضها حسن ، وبعضها ضعيف ، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار . إنتهى . تنبيه آخر : الخبر باطل من جهة معناه أيضا ، فإن نفي الشارع للمهدي يستدعي سبق ذكر له من غيره ، والإخبار به إنما وقع منه صلى الله عليه وسلم ، كيف يخبر بشئ ، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ، ثم ينفيه ، ومثل هذا لا يدخله نسخ لما هو مقرر في محله ، والله أعلم . منهم العلامة الشيخ يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي في " عقد الدرر في أخبار المنتظر " ص 7 ط مكتبة عالم الفكر ، القاهرة ، قال : وأما من زعم أن لا مهدي إلا عيسى بن مريم ، وأصر على صحة هذا الحديث وصمم ، فربما أوقعه في ذلك الحمية والالتباس وكثرة تداول هذا الحديث على ألسنة الناس . وكيف يرتقي إلى درجة الصحيح وهو حديث منكر ، أم كيف يحتج بمثله من أمعن النظر في إسناده وأفكر . فقد صرح بكونه منكرا أبو عبد الرحمن النسائي وإنه لجدير لذلك إذ مداره على محمد بن خالد الجندي . وفي كتاب " العلل المتناهية " للإمام أبي الفرج بن الجوزي ، ما نقله في توهين هذا الحديث من كلام الحافظ أبي بكر البيهقي ، قال : فرجع الحديث إلى الجندي وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك غير مقبول ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو منقطع غير موصول . وحكى البيهقي عن شيخه الحاكم النيسابوري وناهيك به معرفة بعلم الحديث بهذا الإسناد منقطع . وقد نقل علماء الحديث في حق الإمام المهدي من الأحاديث ما لا يحصى كثرة ، وكلها معرضة بذكره ومصرحة ، وفي ذلك أدل دليل على ترجيحها على هذا الحديث المنكر عند من كان له بهذا الفن خبرة وبعضها لبعض مصححة . وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في كتابه " المستدرك على الصحيحين " من ذلك ما فيه غنية ونبهة ترجيح رواته الجم الغفير من كان له في ذلك بغية . ولما انتهى في كتابه إلى ذكر هذه الرواية بين حالها لمن له فهم ودراية ، فقال : قد ذكرت ما انتهى إلى من علم هذا الحديث تعجبا لا محتجبا به ، وهذا غاية التوهين . ثم قال : فإن أولى من هذا الحديث ، حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود ، عن النبي الصادق الأمين أنه قال : لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يوطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي . وهذا تصريح باسمه وتعين . وقد قال بعض العلماء الأماثل : إن معنى قوله " يواطئ " يشبه ويماثل . فقد اتضح لمن أنصف من جملة هذا الكلام أن المهدي من ولد الزهراء فاطمة لا ابن مريم عليها السلام . على أنا نقول : ولئن سلمنا صحة هذا الحديث فإنه يحمل على تأويل ، إذ لا يجد لإلغاء ما يعارضه من الأحاديث الصحيحة سبيل ، ولعل تأويله كتأويل " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " إذ ألفاظ الحديثين يقرب بعضها من بعض ولا يبعد ، وفي الحديث من هذا النوع كثير ، وليس ذلك بمحمول على نفي المنفي بل على الترجيح والتوقير ، أو لعل له تأويلا غير ذلك ، فوجوه العلم متسعة المسالك . قال الشيخ الإمام الحافظ العلامة شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي رضي الله عنه : ولقول صلى الله عليه وسلم " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وجه آخر من التأويل ، وهو أن يكون على حذف مضاف ، أي إلا مهدي عيسى . أي الذي يجئ في زمن عيسى عليه السلام ، فهو احتراز ممن يسمى المهدي قبل ذلك من الملوك وغيرهم ، أو يكون التقدير : إلا زمن عيسى . أي يجئ في ذلك الزمن لا في غيره ، والله أعلم .
292
نام کتاب : شرح إحقاق الحق نویسنده : السيد المرعشي جلد : 29 صفحه : 292