يمكن إنكاره ، ولم يذكروا عدم صدوره عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعنوان التجويز والاحتمال ، إلا بعض المنكرين الذين لا يبالون بما قالوا ، مثل شارح التجريد فإنه منع التواتر ، لكن لم يقدر على منع الصحة لغاية الفصاحة . روى ابن الأثير في جامع الأصول ، من صحيح البخاري ومسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلف علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . وعن الترمذي أنه قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى . وفي رواية عن جابر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . ومن صحيح مسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أن معاوية أمر سعدا ، فقال له : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء الخبر مثل ما تقدم لسعد ، لكن هاهنا : إلا أنه لا نبوة بعدي الخبر [1] .
[1] جامع الأصول 9 : 468 - 469 . اعلم أن الروايات تدل على تكرر إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بهذه المنزلة الجليلة ، منها : ما رواه الفاضل النبيل يحيى بن الحسن بن البطريق ( رحمه الله ) في العمدة ، من مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تصنيف الفقيه أبي الحسن علي بن محمد الخطيب الشافعي المعروف بابن المغازلي ، بإسناده عن أنس ، قال : لما كان يوم المباهلة وآخى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين والأنصار ، وعلي واقف يراه ويعرف مكانه ، ولم يواخ بينه وبين أحد ، إلى أن قال : فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك يا أبا الحسن ؟ قال : واخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني لم تواخ بيني وبين أحد ، قال : ادخرتك لنفسي ، أما يسرك أن تكون أخا نبيك ؟ قال : بلى يا رسول الله أنى لي بذلك ، فأخذ بيده وأرقاه المنبر ، فقال : اللهم إن هذا مني وأنا منه إلا أنه بمنزلة هارون من موسى . ومنها : ما رواه من مناقب ابن المغازلي بإسناده ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، في سد الأبواب غير باب علي ( عليه السلام ) إلى أن قال ، ونفس ذلك رجال على علي ، فوجدوا في أنفسهم ، فتبين فضله عليهم وعلى غيرهم من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقام خطيبا ، فقال : إن رجالا يجدون في أنفسهم في أن أسكن عليا في المسجد ، والله ما أخرجتهم ولا أسكنته ، إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه * ( أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة ) * وأمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله إلا هارون وذريته ، وإن عليا بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ، ولا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي وذريته ، فمن أساء فهاهنا ، وأومأ بيده نحو الشام انتهى . أيها اللبيب الطالب للنجاة انظر بعين البصيرة والرشاد إلى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى حسد رجال على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دعاه تحد به على الحاسد والمحسود إلى بيان سبب الاختصاص ، حتى يتركوا الحسد الذي يضر الحاسد آجلا ، ولا يدعوهم إلى إيذاء المحسود عاجلا ، فكيف لم يبين ( صلى الله عليه وآله ) أمر الخلافة وأبهمها ، ولم يبعث تعطفه على أهل بيته والأمة إلى أن يبين أمر الخلافة الذي في إهماله المفاسد الواضحة التي لا نسبة لها إلى ما تعرض لدفعه . وانظر إلى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان حسد الناس على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثقيلا عليه ، فكيف كان حال من أراد إحراق بيت كان هو مع فاطمة والحسنين ( عليهم السلام ) فيه وفعل بهم ما ستسمعه ، فأي متانة ووثاقة للإمامة التي لا تختل ولا تنهدم بأمور يمكن أن يهدم أحدها تلألأ ساطعة وجبالا شاهقة " منه " .