وكان من عناية الله تعالى برسوله أن هيأ له من يحميه من كيد المتربصين . ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما فهذا بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب قد لاقى الحماما وكان من ورائهما السيدة الجليلة خديجة ( عليها السلام ) التي بذلت جميع ما تملك - وكانت ذات ثراء - في سبيل دعوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتسيير حركة الإسلام . وأما أبو طالب [1] فقد كان السند لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو القائل يخاطب ابن أخيه : والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا حتى إذا رحل أبو طالب وخديجة ( عليهما السلام ) عن الدنيا ، انبرى علي ( عليه السلام ) لحماية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والدفاع عنه . وقد شاء الله تعالى لحبيبه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) أن ينتقل عن مكة ويستقر في المدينة ، وإذا به ( صلى الله عليه وآله ) يواجه الدنيا بأسرها ، فالمشركون جادون في نقض ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وآله ) واليهود يتربصون به الدوائر ، والمنافقون يسعون في الخراب ، ولا يكاد يفرغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) من حرب حتى يتهيأ لأخرى . وإلى جانب ذلك كله كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقوم بأداء مهمته في تعليم الناس وهدايتهم ، ويتلقى الوحي ويبلغ رسالة ربه . وإنك لتدهش أمام هذه العظمة المحمدية من القلب الكبير ، والصدر الرحيب ، والخلق الكريم في تلك الظروف العصبية حيث يقوم بذلك كله ، حتى أكمل الله دينه لعباده ، وأتم نعمته عليهم على يدي الحبيب
[1] يذهب بعض من لا يبصر أبعد من أنفه إلى أن أبا طالب ( عليه السلام ) مات كافرا ، ويتمسك بروايات اختلقها الأمويون ونسبوها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كيدا لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) . وحاشا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكون في حماية المشركين ، إن أبا طالب ( عليه السلام ) هو ناصر الإسلام والداعي إليه والمحامي عنه ، وله الفضل على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة إلى أن تقوم الساعة ، والحديث عن أبي طالب ( عليه السلام ) له مجاله الرحب الوسيع .