ولو ألقينا نظرة سريعة على أحد الفروع العلمية والأدوار التي مر بها في مقام البحث والتحقيق على أيدي العلماء في مختلف عصورهم ، لرأينا مدى النضج العلمي والتطور الفكري ، والنبوغ والدقة في الفكر الشيعي . ومرجع ذلك إلى ما ذكرنا من حرية البحث طلبا للحق وبحثا عن الحقيقة ، وسيرا على منهاج أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولم يكن ذلك مقتصرا على فن من فنون المعرفة فحسب ، بل يشمل جميع العلوم والمعارف الكلامية ، والأصولية ، والفقهية ، والتفسيرية ، والرجالية ، وغيرها . وقد خلف علماء الشيعة آثارا تزخر بالتحقيق والتدقيق ، والنتائج العلمية الرصينة . أضف إلى ذلك أمرا لا يقل أهمية عما ذكرنا ، وهو أن علماء الشيعة إلى جانب أنهم أحرار في دراساتهم العلمية ، كانوا أحرارا في دنياهم ، وما كان لهم طمع في حطام ، أو سعي وراء مقام ، وإنما كان رائدهم الحق ، وسبيلهم الصراط المستقيم ، وإن تنكرت الدنيا لهم ، وعاشوا حياة الشظف والعوز في عفة ونزاهة وإباء ضربوا بها أروع المثل في مكارم الأخلاق ، وكانوا بذلك يعكسون صورة ناصعة عن حياة أئمتهم ( عليهم السلام ) . فجزاهم الله خير الجزاء ، فلقد حملوا الأمانة بإخلاص ، وكانوا أهلا لذلك وكفؤا . هذا الكتاب : ويضم هذا الكتاب بين دفتيه البحث العلمي الدقيق عن أصول الاعتقاد ، وقد استغرق البحث حول موضوع الإمامة والخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحصة الكبرى من صفحاته . وحديث الإمامة هو الحديث الخطير ذو الشأن العظيم ، وهو مفترق الطرق بين