أصلا . فإن كانت ذاته يلزم أن يكون موجودا قبل هذا الوجود ، فإن كان بهذا الوجود يلزم تقدم الشئ على نفسه وإن كان بغيره ، يلزم ما يلزم في الوجود الأول وهكذا ، فيلزم الدور أو التسلسل ، وتعدد الوجود لأمر واحد ظاهر البطلان فكيف التسلسل . والقول بأن الحاجة إلى العلة إنما تلزم إن لم يكن حصول الوجود الزائد للواجب ضروريا ، وضرورة الوجود معتبرة في الواجب وليست محل الكلام ، بل محل البيان هو الزيادة وعدمها ، وعلى شئ من احتمالي العينية والزيادة لا حاجة إلى علة باطل بما أبطلت به عدم حاجة العلم على تقدير الزيادة إلى علة . فإن قلت : معنى العلم والقدرة والوجود والحياة متغايرة بالبديهة ، فكون واحد منها عين ذاته شاهد على أن غيره مغاير ، وهذا شاهد على ضعف دلائل العينية ، بحيث لا يمكن الحكم بكون واحد منها عينا أيضا ، لأن نسبة جريان دليل العينية فيها واحدة ، وإذا علم أن مقتضاه لا يصح في الجميع ، فلا يبقى الوثوق بالعينية في شئ منها ، وكيف يجوز أن يكون أمر واحد عين أمور متغايرة ؟ قلت : هذا الايراد إنما يرد لو قيل بعينية هذه المفهومات لذاته تعالى ، وهذا لا يمكن أن يقول به عاقل ، فكيف يقول به العلماء المحققون ؟ مع أنهم معترفون بامتناع إدراك كنه ذاته تعالى ، فكيف يقولون بأن ذاته تعالى عين هذه المفهومات البديهية ؟ بل مرادهم أن ذاته تعالى بذاته من غير اتصافه بصفة [1] وملاحظة انتسابه إلى أمر يصدق عليه أنه موجود وعالم وقادر ، وغيرها من الأمور التي تحمل على الواجب بالذات لذاته . فمعنى كون وجوده تعالى عين ذاته أن ذاته لذاته منشأ صدق هذا المفهوم ، وليس
[1] كما ورد في نهج البلاغة في الخطبة الأولى : وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة إلى آخره كلامه .