في أصحاب الشورى ، وأما أنا فإني أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، لأنه إن أجرى بهذا الرأي إلى ترفعه عليهم وعلو قدره عن أن يكون مماثلا له ، أو أجرى به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكل هذا رأي حسن وصواب . وإن كان منزعه ذلك إلى أنك إن تركت الدخول معهم وأنفذت بنفسك في دارك ، أو خرجت من المدينة إلى بعض أموالك ، فإنهم يطلبوك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن ، لأنه لو فعل ذلك لولوا عثمان ، أو واحدا منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة فيه ( عليه السلام ) ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم وواقعا بايثارهم ، فإن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض . ولو عمر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل ، كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر ، من إخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلفه في بيته وإظهار أنه قد انعكف على جمع القرآن ، وسائر أنواع الحيل فيها ، لم يحصل له إلا بتجريد السيف ، كما فعله في آخر الأمر . ولست اليوم ألوم العرب لا سيما قريشا في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنه وترها ، وسفك دمائها ، وكشف القناع في منابذتها ، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم . وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهده اليوم عيانا ، والناس كالناس الأول ، والطبايع واحدة ، فاحسب أنك كنت في السنتين أو ثلاث جاهليا ، أو من بعض الروم ، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ، ثم أسلمت ، أكان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ؟ كلا إن ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحا ، والعقيدة محققة ، لا كإسلام كثير من