ورجل سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا لم يحفظه على وجهه ، فوهم فيه ولم يتعمد كذبا ، فهو في يديه يرويه ويعمل به ، ويقول : أنا سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه ، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه . ورجل ثالث سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا يأمره به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو يعلم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه . وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفا من الله ، وتعظيما لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وحفظ الناسخ وحفظ المنسوخ فجنب عنه ، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه ، فوضع كل شئ موضعه ، إلى آخر الكلام [1] . قال ابن أبي الحديد : فإن قلت : من هم أئمة الضلالة الذين تقرب إليهم المنافقون الذين رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصحبوه بالزور والبهتان ؟ وهل هذا إلا تصريح بما تذكره الإمامية وتعتقده ؟ قلت : ليس الأمر كما ظننت وظنوا ، وإنما يعني معاوية وعمرو بن العاص ومن شايعهما على الضلال ، كالخبر الذي رواه من رواه في حق معاوية " اللهم قه العذاب والحساب وعلمه الكتاب " وكرواية عمرو بن العاص تقربا إلى قلب معاوية " أن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين " وكرواية قوم في أيام معاوية أخبارا كثيرة من فضائل عثمان تقربا إلى معاوية بها [2] . وفيه أن تخصيص أئمة الضلالة بمن خصصه خلاف ظاهر ترتب التقرب إليهم على البقاء بعده ( صلى الله عليه وآله ) ، وأيضا ظاهر سياق السؤال عن أحاديث البدع التي في أيدي
[1] نهج البلاغة ص 325 - 327 رقم الكلام : 210 . [2] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 42 .