تبايعني لسلطان غاصب ، ولا لعرض حاضر ، فإن كنتما بايعتماني طائعين ، فارجعا وتوبا إلى الله من قريب ، وإن كنتما بايعتماني كارهين ، فقد جعلتما لي عليكما السبيل ، بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية ، ولعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية والكتمان ، وإن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به . وقد زعمتما أني قتلت عثمان ، فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة ، ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل ، فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما ، فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار والسلام [1] . قال الشارح : وقد جعلت الحكم بيني وبينكما من أهل المدينة ، أي : الجماعة التي لم تنصر عليا ولا طلحة ، كمحمد بن مسلمة ، وأسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر وغيرهم ، يعني أنهم غير متهمين عليه ولا على طلحة والزبير ، فإذا حكموا لزم كل امرئ منا بقدر ما يقتضيه الشهادات ، ولا شبهة أنهم لو حكموا وشهدوا بصورة الحال لحكموا ببراءة علي ( عليه السلام ) من دم عثمان ، وبأن طلحة كان هو الجملة والفيصل [2] في أمره وحصره وقتله ، وكان الزبير مساعدا له على ذلك ، وإن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة ، ثم نهاهما عن الاصرار على الخطيئة [3] انتهى ما أردت نقله . وجه دلالة كلامه ( عليه السلام ) : أنه حكم باجتماع العار والنار من عدم الرجوع ولم يرجع أحدهما ، لأن الرجوع عن المحاربة فقط كما ظهر من الزبير ليس رجوعا عن الخطيئة التي هي نكث البيعة ، وترغيب الجماعة على البغي والعدوان ، بل التوبة عما صدر عنهما كانت مبنية بعد الندامة عما فعلا على أعلام الناس شناعة ما صدر عنهما
[1] نهج البلاغة ص 445 - 446 رقم الكتاب : 54 . [2] في الشرح : والتفصيل . [3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 134 .