أقول : روى ابن الأثير في جامع الأصول ، من صحيح البخاري ، عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس ولابنه علي : انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه ، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه ، فأخذ رداءه فاحتبى ، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى إلى ذكر بناء المسجد ، فقال : كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينفض التراب عنه ويقول : ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، قال ويقول عمار : أعوذ بالله من الفتن . وفي رواية أخرى له إلى أن قال : ويدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار [1] . فإذا عرفت مرتبة عمار ، فمخالفته لعثمان وتخطأته إياه ، تدلان على كون عثمان متصفا بصفات نسبها إليه ، فكيف يتصف باستحقاق الإمامة من ينفي عمار الإيمان عنه ؟ وأي وجه لضرب من قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأنه وشأن مخالفيه إنه يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، وضرب من أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باشتياق الجنة إليه ؟ كما ظهر في النظر السابع من الأنظار الثمانية على إمامة أبي بكر ، وكيف تشتاق الجنة إلى من يؤذي إمام المسلمين ويصر عليه حتى يغضبه غضبا لا يملك نفسه حتى يضربه بنفسه أو يأمر بضربه ؟ ومخالفة أبي ذر في الدلالة أقوى كما لا يخفى . وقال السيد ( رحمه الله ) : فأما قوله " إن الأخبار متكافأة في أمر أبي ذر وإخراجه إلى الربذة ، هل كان ذلك باختياره أو بغير اختياره ؟ " فمعاذ الله أن تتكافأ في ذلك ، بل المعروف الظاهر أنه نفاه أولا إلى الشام ، ثم استقدمه المدينة لما شكا منه معاوية ، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة ، وقد روى جميع أهل السيرة على اختلاف طرقهم وأسانيدهم : أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم ،