وجد في كلام الله تعالى وكلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لا يبلغ إليه عقولنا وتستبعده لو لم يكن في أحدهما يجب التيقن بصدق مقتضاهما بالدلائل القطعية الدالة على الصدق . ومع هذا توهم عمر في غاية السخافة ، لأن البشارة بالجنة لمن يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها ليست بلا شرط ، حتى يخاف أن يتركوا العمل ، ألا ترى أن كثيرا من أهل الكتاب يشهدون بها مع كونهم من أهل النار ، بل لا يبعد أن يقال بما جاء به الرسول مفصلا فيما علم مفصلا ، ومجملا فيما علم من الشرائط أيضا ، فظهر قوة احتمال فقد الشرط في عمر . ولو فرض وجوب الجنة بهذه الكلمة مع الاعتقاد بها وبالرسول بلا شرط زائد ، ليس في البشارة وجوبها بلا عذاب حتى يتركوا العمل ، كيف ؟ وأكثر الكبائر التي أوعد مرتكبها بالنار شامل للموحد أيضا ، فبأي وجه يطمئنون بها حتى يتركوا العمل ؟ فإنهم كما يعتمدون هذا الكلام من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعتمدون القرآن وسائر أقواله ( صلى الله عليه وآله ) فلو كان له أدنى أدب وفهم لم يمنع أبا هريرة عن إطاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وبعد تخلية أبي هريرة وما أراد إن أراد أن يزول ما خطر بباله بالتفصيل ، فينبغي له أن يستفهم منه ( صلى الله عليه وآله ) على وجه يناسب الأدب ، ويليق أن يسأل ( صلى الله عليه وآله ) بهذا الوجه عن لم الأمر ، ووجه عدم ترتب ما توهمه من المفسدة على ما أمره به ، لا أصل الأمر الذي علم حينه وانكشف رجحانه بأمره ( صلى الله عليه وآله ) . فإذا لم يظهر منه ما يناسب المسلم المستيقن ، بل ظهر منه رد قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضرب من أطاعه ( صلى الله عليه وآله ) منعا له عن الإطاعة ، مع عدم المضرة بالنسبة إليه في إمضاء أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعدم المنفعة في تركه ، كيف يطمئنون أو يظنون بأن ما فعل مع أخيه في الخلافة لم يكن ردا لنص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإذا لم يبال من ضرب من أطاعه ( صلى الله عليه وآله ) ورد قوله مشافهة بلا ظهور منفعة له ، فأي اعتماد عليه في عدم رد كلامه ( صلى الله عليه وآله ) والامتناع عن إطاعته بعد وفاته ومخالفة النص لأهوائه الباطلة .