هذا عنده عظيما ، وكان جمع الدنيا وما فيها عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في غاية الحقارة ، كما يدل عليه كلامه ( عليه السلام ) في هذه الخطبة وغيرها وسيرته ( عليه السلام ) . بل غرضه من أمثال هذا الكلام بيان مرتبة الولاة الماضية وظلمهم أهل البيت ( عليهم السلام ) حتى يظهر للمسلمين أمرهم ، وينكشف عند أرباب البصيرة عذرهم ، فكيف يتصور أن يظهر مثل هذا الكلام المشتمل على التظلم وشكوة السابقين عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بل عن أدنى مؤمن سعى في تهذيب الأخلاق ، وعرف مهانة الأموال والأرزاق ، ولاحظ قوله عز وجل * ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) * [1] في وقت من الأوقات ، فكيف في مجمع الخطب والمواعظ ، لو لم يكن الولاة ظالمين وغاصبين . ومع شهرة هذه الخطبة منه ( عليه السلام ) وظهوره ، قال ابن أبي الحديد - بعد تفسير الجدث بالقبر ، والمظنة التي هي مفرد المظان بموضع الشئ ومألفه الذي يكون فيه ، وقوله " شحت عليها نفوس قوم " أي : بخلت ، وسخت عنها نفوس آخرين ، أي سامحت وأغضيت ، وليس يعني بالسخاء إلا هذا ، لا السخاء الحقيقي ، لأنه ( عليه السلام ) وأهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا وقسرا - : أنه قد قال هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم ، وهو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [2] انتهى . ولعله جعل غير فدك في كلامه ( عليه السلام ) إشارة إلى الخلافة ، وحمل عدم التصريح بها على رعاية المصلحة ، أو على الظهور عند أرباب البصيرة بما ظهر منه ( عليه السلام ) في مواضع أخر .