الخضراء ولم يقل الغبراء أصدق لهجة منه ومن له شبه عيسى ( عليه السلام ) وزهده أول ما بلغه ؟ ولم يظهر الله أمر الخلافة له ، مع وضوح الحجة وبلوغ الدعوة ، حتى يسرع إلى هذا الخير أيضا ، على ما هو شأن من هو أدنى مرتبة منه ، مع أن الله تعالى هداه إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بغير دعوة بلغته ، وجعل الذئب وسيلة لايمانه برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بدو الحال ، ألم يكن في إنكاره خبرة للبصير بما وقع ولا الحيرة ؟ وأيضا ألم يدل امتناع سلمان عن البيعة مع إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد السؤال بقولهم " ومن يستبدل بنا ؟ " بقوله " هذا " مشيرا به إلى سلمان في تفسير قوله تعالى * ( وإن تتولوا ) * على ضد مطلوبهم أقوى من دلالة البيعة والسكوت على مطلوبهم . وأما ثامنا ، فلأن منازعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وامتناعه من البيعة تدل على بطلان ما شيدوا به أمر البيعة ، وإلا لكان أسرع المجيبين ، ولا يمكن أن يكون الامتناع ناشئا من عدم ظهور الحق عليه ، مع كون أمر البيعة على الوجه الشرعي ، وكيف يجوز أن يظهر حقية أبي بكر ولزوم البيعة لأكثر الناس ولم تظهر لأعلمهم ؟ فلم يبق لسببية الامتناع أمر إلا علمه ببطلان الأمر ، وقوله ببطلان الأمر قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ببطلانه ، لتظافر الأخبار بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يدور الحق مع علي حيث ما دار . فإن قلت : لا نسلم أن تأخير البيعة وقع بعد الطلب ، وعلى تقدير وقوعه بعده ، فلا نسلم وقوعه لعدم القول باستحقاق الأول للخلافة ، بل للوحشة التي نشأت من عدم مشاورتهم إياه في هذا الأمر : وفي أمثال تلك الأمور قد يحصل نوع غضاضة لكمل الناس ، من غير أن يكونوا معتقدين بطلان الأمر ، ولا نافين لوقوعه على وفق الشرع . ويؤيد ما جوزناه ما رواه ابن الأثير في جامع الأصول في الباب الثاني من كتاب الخلافة ، من صحيح مسلم ، عن عائشة ، قالت : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والعباس أتيا يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما حينئذ يطلبان أرضه من