يكن للامتناع معنى ، لأن الدلائل التي بها تمسكوا في استحقاق الأول للخلافة كانت منتشرة في ألسنة الناس ، بحيث لا يمكن خفاء أصل الدلائل ، لكونها مع كونها مذكورة في مشهد الناس لا خوف على إظهارها حتى يكون عدم العلم بها راعيا على الامتناع ، ولا خفاء مقتضاها لو كانت مقتضية لاستحقاق الأول . وكيف يظهر على العام والخاص من غير حاجة إلى التأمل والمراجعة ولا يظهر على مثل سلمان وأبي ذر ؟ مع ظهور جلالتهما وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأنهما ما قال ، ومع ظهور عدم احتمال ظهور الأمر على العامة والخاصة وخفائه على كل الممتنعين ، أو خفائه على البعض وامتناع البعض للدواعي ، لأن جلالة البعض مانعة عن الأمرين ، واحتماله في البعض الآخر لا يضرنا ولا ينفعهم الاحتمال كاف لنا ومبطل لاحتجاجهم ، كما هو ظاهر لمن له أدنى ربط بقانون المكالمة . ويدل على الجلالة ما روى ابن الأثير في جامع الأصول ، في آخر النوع الخامس من الفصل الثاني من الباب الرابع من الكتاب الأول من كتب حرف الفاء ، وهو كتاب الفضائل والمناقب ، من صحيح الترمذي ، عن بريدة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تبارك وتعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم ، قيل : يا رسول الله سمهم لنا ، قال : علي منهم يقول ذلك ثلاثا ، وأبو ذر والمقداد وسلمان ، وأمرني ربي بحبهم وأخبرني أنه يحبهم [1] . وفي آخر النوع الأول من الفصل الثاني من الباب المذكور والكتاب المذكورين ، من صحيح الترمذي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي ، وعمار ، وسلمان [2] . وفي أول النوع الثالث من الفصل المذكور ، من صحيح الترمذي ، عن أنس قال :
[1] جامع الأصول 9 : 424 برقم : 6383 . [2] جامع الأصول 9 : 416 برقم : 6364 .