الباب سلبا أو إيجابا [1] . دافع السيد الطباطبائي [2] عن الرأي القائل بقدم مكة : فقال في معرض تعليقه على هذه الأخبار " ونظائر هذه المعاني كثيرة واردة في أخبار العامة والخاصة وهي وإن كانت آحاد غير بالغة حد التواتر لفظا أو معنى ، لكنها ليست معادمة النظير في أبواب المعارض الدينية ولا موجب لطرحها من رأس " وفي موضع آخر أثناء رده على الرأي الآخر : قال : " ما ذكره لا يخلو من وجه في الجملة إلا أنه أفرط في المناقشة فإن التناقش أو التعارض إنما يضر لواحد بكل واحد منها . أما الأخذ بمجموعها من حيث هي المجموع - بمعنى لا يطرح الجميع لعدم اشتمالها على ما يستحيل عقلا أو يمنع عقلا - فلا يضره التعارض الموجود فيها ، هذا بالنسبة لأخبار المعصومين ( الأنبياء والأئمة ( عليهم السلام ) ) ، أما غيرهم من المفسرين فحالهم حال غيرهم من الناس وحال ما ورد من كلامهم الخالي عن التناقض حال كلامهم المشتمل على التناقض ، وبالجملة لا موجب لطرح رواية أو روايات إلا إذا خالفت الكتاب والسنة القطعية أو لاحت منها لوائح الكذب والجعل " [3] د ويمكن إضافة بعض المرجحات التي تدعم هذا الرأي : المرجح الأول : ما جاء في الكتاب العزيز عند قوله تعالى على لسان إبراهيم ( عليه السلام ) : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك الحرام ) [4] فقول إبراهيم ( عليه السلام ) عند بيتك الحرام يدل على أن البيت كان قبل ذلك إلا أنه دخل عليه الخراب . نعم هناك توجيهات أخرى للآية كأن يقال أن كلام إبراهيم ( عليه السلام ) هذا كان آخر عمره بعد بناءه للبيت الحرام . وبعد ما سكنته جرهم . وهذا يمنعه أن يكون دليلا ولا يمنعه أن يكون مرجحا . وكذلك الكلام في قوله تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) [5] فيمكن حمل الأول على أقدم بيت وضع للعبادة في عصر آدم ( عليه السلام ) لا كونه أقدم من القدس كما في بعض التفاسير . المرجح الثاني : والمرجح الآخر ما ورد في خطبة القاصعة في نهج البلاغة [6] . قال أمير المؤمنين : ( ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم ( صلوات الله عليه ) إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ) وفيه صراحة أن البيت وضع من لدن آدم ( عليه السلام ) .
[1] الكاشف ، مغنية ص 203 الهوامش . [2] الميزان في تفسير القرآن ، محمد حسين الطباطبائي 1 / 285 . [3] الميزان 1 / 288 . [4] إبراهيم : 31 . [5] آل عمران : 96 . [6] نهج البلاغة 2 / 146 ، الكافي 4 / 199 .