نام کتاب : رسائل ومقالات نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 262
إن القرآن يخاطب العقل ويدعوه إلى التأمل والتفكر ، ويخاطب القلب والضمير ويدعوه إلى التدبر في ما حوله من الأدلة الناطقة ، ولأجل ذلك ترى أن يستعمل مادة العقل بصور مختلفة " 47 " مرة ، والتفكر كذلك " 18 " مرة ، واللب " 16 " مرة ، والتدبر " 8 " مرات ، والنهي مرتين ، وبذلك يرفع الإنسان من حضيض الجهل إلى أوج العلم والمعرفة . إن القرآن لم يقتصر على الدعوة إلى التفكر والبرهنة بل طبقها في غير واحد من مجالات العقيدة والتشريع ، فأثبت مقاصده بناصع بيانه ، وساطع برهانه نأتي بنموذجين منها . الأول : قال سبحانه : * ( أفرأيتم ما تمنون * ء أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون * نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشأكم في ما لا تعلمون * ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون * أفرأيتم ما تحرثون * ء أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون * أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ) * . [1] فالله سبحانه يذكر في هذه الآيات شواهد ربوبيته ، وأنه هو الخالق والمدبر ، ولا خالق ولا مدبر سواه ، وأن من يزعم أن هناك خالقا أو مدبرا غيره ، فقد قصر فهمه أو قصر في تفكيره . فما أروع بيانه وأتقن برهانه ، يذكر فيها أمر الخلق والزرع والماء والنار ويذكر دور الإنسان فيها ، فأمره في الأول ، لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني ، رحم امرأة ثم ينقطع عمله وعملها ، فالعقل يحكم بأن هناك قدرة غيبية تأخذ في