ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى فلان ( وفي نسخة ابن الخطاب ) بعده . ثم تمثل بقول الأعشى : شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشد ما تشطرا ضرعيها ! - فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم ، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس . وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة . وشدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم . فيا لله وللشورى ! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ! لكني أسففت إذ أسفوا . وطرت إذ طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ! فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ، ينثالون علي من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم . فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون : كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين بلى ! والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها ! أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم . ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ! [1] ونستعرض الآن العبارات التي وردت في هذه الخطبة وتدل على أنه عليه السلام يرفض الشورى ولا يرى لغيره حقا بالخلافة لا بشورى ولا بغيرها ويعتقد انه حق غصب منه : 1 - تقمصها . . . اي لبسها ولا يحق له ذلك . . . ولو كان الامر موكولا إلى الناس يختارون من يريدون حسب نظرية الشورى لكانت الخلافة بعد اختيارهم - كما يزعمه الزاعمون - حقا له وليس قميصا لغيره لبسه ابن أبي قحافة غصبا وظلما .